كعادتها، وصلت الامور الى نهايتها المرجوة وتم ترقيع السقوف العالية التي خُرقت من قبل الجميع بالكلام والافعال، ويبقى التضرع الى الله ان يرحم من انتهت حياتهم على الارض لاسباب لا تزال مجهولة لان اياً منها لم يتحقق. نعم، كل الاهداف التي وضعت من قبل الاطراف كافة، لم تتحقق اما الاكيد والثابت فكان واحداً وهو ان شباناً فُقدوا من حياتهم اليومية ويفتقدهم اهلهم كل يوم، وباتوا في حضرة الخالق.

وبعد ان وصلت الامور الى خواتيمها، وفق مبدأ "ارضاء الجميع" و"لا غالب او مغلوب" وهي الصيغ المحببة لدى اللبنانيين، تهافت الكثيرون للترويج عن عرّاب المصالحة التي تمت وعودة العجلة اللبنانية الى الدوران، غير ان تعدّد هويّات الاشخاص اضاع بوصلة "البطل" المجهول، فمنهم من عزا الفضل الى رئيس الجمهورية، ومنهم الى ​حزب الله​، وآخرون الى حكمة كل من النائب السابق ​وليد جنبلاط​ والنائب الحالي ​طلال ارسلان​، والبعض ارتأى ان رئيس مجلس النواب هو مفتاح الحل، فيما ايّد آخرون المدير العام للامن العام كونه صاحب الحلول، ووصل الامر بالبعض الى شكر الولايات المتحدة على "فرض" الحل وربطه بإفراج سوريا عن المواطن الكندي كريستيان لي باكستر عبر وساط ​اللواء عباس ابراهيم​.

تعدّد الابطال لم يساهم سوى في اضاعة بوصلة الحل السحري الذي انهى "صيام" جلسات مجلس الوزراء، واثار تساؤلات اضافية حول دور وزير الخارجية ​جبران باسيل​ في المسألة، خصوصاً وانه لاعب اساسي فيها وركن مهمّ تلقى سهاماً كثيرة في الموضوع كما انه لم يبخل في توجيه سهامه ايضاً على اطراف معيّنة. وزادت الشكوك بعد غيابه عن الجلسة الاولى لمجلس الوزراء بعد انقطاع طويل بسبب حادثة انطلقت مع زيارته للجبل ولم تنته بعد قطعها وانهائها بشكل سريع. وفي حين لم يغب اي طرف عن الجلسة، اتى عدم حضور باسيل وكأنه رسالة مزدوجة: الاولى انه غير راض على ما آلت اليه الامور، والثانية انه كان ينوي عدم السكوت عن أيّ "لطشة" قد يتعرّض لها داخل الجلسة ما كان سيؤدي الى اعادة الامور الى نقطة الصفر. من هنا، يمكن القول ان باسيل، وبطريقة غير مباشرة، كان سبب نجاح المصالحة، ولكنّه ظهر ايضاً وكأنّه سبب أي خلاف قد يطرأ في وقت لاحق، وعليه كان لا بد من غيابه عن الساحة علماً انه من الصعب ان "يمون" عليه احد في عدم الكلام على غرار ما حصل مع وزير الدولة لشؤون النازحين ​صالح الغريب​، حتى ولو كانت هذه "المَونة" من عمّه رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​.

واللافت في هذا السياق، ان القلق كان من احتمال ان تأتي "اللطشة" عبر المحسوبين على الحزب الاشتراكي، او عبر المحسوبين على القوات اللبنانية، وفي الحالتين كان الرد سيحضر من قبل باسيل ويعود سيناريو المشاكل الى سابق عهده.

على خطّ آخر، من المستبعد فعلاً ان يكون التحرك الاميركي باتجاه باسيل (كما ذكر العديد من المحلّلين) هو الذي أدّى الى تحريك الامور، فالاوراق الاميركيّة في لبنان باتت معدودة وهي لا تتخطّى الضغط الاقتصادي (علماً انه ورقة بالغة الاهمية). ولكن الاميركيون حذرون جداً في استعمالها لانّ مصلحتهم لا تقتضي حالياً انهيار الاوضاع في لبنان، فهل كان هناك من تحذير من امكان زيادة الضغط على حزب الله ومؤيديه في لبنان في هذا الشقّ اذا لم يتمّ تسريع "طبخة المصالحة"؟ هذه الفرضيّة استبعدها ايضاً محلّلون، رأوا في المقابل انّ الورقة التي يمكن ان تكون قد استُعملت هي ورقة الترسيم وعامل التنقيب عن النفط، وهما موضوعان باتا اساسيان في خريطة لبنان للنهوض من كبوته.

هي قضية جديدة ستدخل دهاليز النسيان، لكنها ستشكل مرجعاً عند كل "عطلة قسريّة" لمجلس الوزراء في المستقبل القريب او البعيد.