قبل اسابيع فقط، كان رئيس ​الحكومة​ ​سعد الحريري​ في موقف حرج، خصوصاً عقب انتشار صورة اللقاء الذي جمع رؤساء الحكومة السابقين (​فؤاد السنيورة​، ​تمام سلام​ و​نجيب ميقاتي​) بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز في الرياض. لا يختلف اثنان على ان وضع الحريري في تلك الفترة كان حرجاً جداً، وظهر وكأن عليه الانصياع الى رغبة سعودية-اقليمية في عدم التفرد بالقرارات المتخذة على الصعيد ال​لبنان​ي في شؤون تتعلق بالطائفة السنّية او مرتبطة برئاسة الحكومة. هذا الامر لم يتقبّله الحريري، وبالاخص عند استهداف رؤساء الحكومات السابقين للتسوية الرئاسيّة عبر اطلاق النار على رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ بشكل منظّم ومتتالي، بما اوحى بشكل غير مباشر على لوم الحريري على خياره السياسي (رغم انه حظي في حينه بغطاء اقليمي-دولي)، فكان يعلّي السقف السياسي الى حد هدّد بالخلاف بينه وبين الرئيس عون الى ان انتهت الامور الى الصيغة التي باتت معروفة.

اللافت كان انتقال الحريري فور انتهاء المعالجة السايسية لحادثة قبرشمون الى واشنطن، في اشارة واضحة الى ان هذه الزيارة كانت مشروطة بعودة عجلة الحكومة الى الدوران. في الواقع، من الافضل لرئيس الحكومة ان يخرج الى العالم كرئيس لحكومة فاعلة، على ان يطلّ على المسؤولين خارج لبنان محاصراً بضغط اقليمي وبعجز محلي عن تحقيق خرق في المراوحة السياسية للحكومة. اما اليوم، فسلاحه الابرز هو التوافق الذي حصل، وادى الى رفع اسهمه وقدرته على الحديث من موقع الرئيس الفعلي لحكومة غادرت العناية الفائقة وعادت الى نشاطها، وليس مستغرباً الا يقتصر ظهور الحريري على واشنطن في الفترة المقبلة، ومن المرجح ان يحمل سلاحه هذا ويجوب به عدداً من دول اوروبا والدول العربيّة لاستعادة بريقه السياسي المفقود منذ فترة. ويعوّل رئيس الحكومة على الغطاء الخارجي المؤمّن للبنان لتفعيل نشاط الحكومة الذي سينعكس حتماً على نشاطه ويعزز صورته الرسمية والشعبية، ويساهم بشكل كبير في تخفيف الضغط المحلي والاقليمي عليه، لان "رقابة الوصاية" التي نسجتها ​السعودية​ بخيطان السنيورة وميقاتي وسلام، تثير ارتياب الحريري وقلقه، وتدفعه الى اتخاذ قرارات قد لا يحبّذها او يرضى عنها، للاستمرار في مسيرته الرسمية وتحالفاته وصورته الخارجية.

في المقابل، يرغب الحريري ان يعود من وانشطن (ومن غيرها من الدول ايضاً)، بدعم ليس فقط لشخصه، بل لتعزيز المساعدات الاقتصاديّة والماليّة، لانّ من شأن ذلك ان يظهره بشخصية "المنقذ" الاقتصادي وهي الصورة التي رغب والده الراحل ان تلازمه طوال حياته. ويرى رئيس الحكومة الحالي ان تعزيز الاقتصاد اللبناني من شأنه ان يعيده بقوة الى الخارطة المحليّة والاقليميّة والدوليّة على حدّ سواء، ويعطيه الافضلية على سواه في لبنان أكان من الطائفة السنّية او من اي طائفة اخرى، فيغدو ركناً اساسياً عند الحديث عن النهضة اللبنانيّة والبدء بورشة الاعمار وتعزيز البنى التحتية وتنفيذ خريطة الطريق التي من شأنها ان تعطي لبنان دفعاً اقتصادياً ومالياً وسياحياً قد يعتبر الاكبر والافضل في تاريخه.

ولا يمكن اغفال الرؤية الصائبة للحريري في هذا المجال، لانّ جميع القوى الخارجيّة وجميع المسؤولين في لبنان يعملون على وضع القطار على السكّة الصحيحة، بغضّ النظر عما اذا كان سيسير على الطريق الصحيح ويصل الى محطّته الانقاذيّة ام لا، فالهدف تحسين صورة الجميع من خلال تجهيز القطار، وهذا يعني انّ العرقلة الكبيرة لن تكون خياراً، فيما المشاكل الصغيرة التي يمكن ان يضعها البعض، ليس من الصعب تخطّيها.

خرج الحريري من ظلمة المراوحة السياسية اللبنانية، فهل يعود بسلاح اقوى؟!.