بعيدًا عن الجانب العائلي الجزئي لزيارة رئيس الحُكومة ​سعد الحريري​ إلى ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة(1)، حرص سفير لبنان في واشنطن، غبريال عيسى، وبمُساعدة من مندوبة لبنان لدى الأمم المتحدة، السفيرة ​أمل مدللي​، أيضًا، على تنظيم مجموعة من اللقاءات المُهمّة للحريري مع عدد من كبار المسؤولين الأميركيّين، وفي طليعتهم نائب الرئيس الأميركي، ​مايك بنس​، ووزير الخارجية، ​مايك بومبيو​، ومُساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، دايفيد شينكر (حلّ مكان ​دايفيد ساترفيلد​)، إلخ. فما هي الملفّات المُرشح أن تكون مدار بحث بين الطرفين، وما هي المَطالب اللبنانيّة والأميركية المُتبادلة؟.

بحسب المعلومات المُتوفّرة، إنّ رئيس الحُكومة يحمل معه مجموعة من الملفّات التي سيحرص على بحثها مع المسؤولين الأميركيّين، وأبرزها:

أوّلاً: مسألة الإستمرار في تحييد لبنان عن الصراعات في المنطقة، وعن العُقوبات على ​إيران​، وضرورة تفهّم المُجتمع الدَولي لوضع لبنان الداخلي ولتوازناته السياسيّة والطائفيّة الحسّاسة، بما يستوجب تجنّب فرض الإدارة الأميركيّة المزيد من العُقوبات على مسؤولين مَحسوبين مُباشرة أو غير مُباشرة على "​حزب الله​"، حفاظًا على الإستقرار الداخلي القائم منذ سنوات. وسيُحاول رئيس الحُكومة في هذا السياق، تفادي تعرّض المزيد من الشخصيّات اللبنانيّة لحزمة جديدة من العُقوبات الأميركيّة–كما هو مُرتقب.

ثانيًا: مسألة إستمرار الدعم الأميركي للجيش اللبناني بالسلاح والعتاد، وعلى مُستوى برامج التدريب أيضًا، لما فيه مصلحة الطرفين، لا سيّما في إطار قيام القوى الأمنيّة الرسميّة في لبنان بمُواجهة كل أشكال الإرهاب على الحدُود وفي الداخل، حيث سيُطالب الحريري الإدارة الأميركيّة بإستمرار دعم المُؤسّسات العسكريّة الرسميّة، بما يُساعد في حفظ الإستقرار العام.

ثالثًا: مسألة ترسيم الحُدود البحريّة والبريّة بين لبنان وإسرائيل، وضرورة أن تواصل الولايات المتحدة الأميركيّة جُهودها في هذا المجال، بهدف تأمين الأجواء الهادئة والُمناسبة لبدء أعمال إستخراج النفط والغاز من المياه الإقليميّة اللبنانيّة في الجنوب، وذلك بالتزامن مع الحفاظ على دور وعلى مهمّات قوات "الأمم المتحدة" العاملة في الجنوب، من دون أيّ تغيير، وعلى ضرورة أن تُسدّد الولايات المتحدة الأميركيّة حصّتها الخاصة بتمويل تكاليف مهمّات حفظ الإستقرار الحدودي في الجنوب اللبناني. وهدف رئيس الحكومة في هذا السياق سيكون الحفاظ على الواقع القائم في الجنوب منذ حرب تمّوز حتى اليوم.

رابعًا: مسألة ضرورة تحريك القُروض التي تقرّرت في مُؤتمر "سيدر" الأخير، ومن بينها قروض أميركيّة بقيمة 115 مليون دولار أميركي، بشكل يُساعد لبنان في تجاوز الصُعوبات الإقتصاديّة والمالية التي يُواجهها حاليًا، ويُساهم في ترسيخ أجواء الإستقرار النفسي في لبنان. وهدف الحريري يتمثّل بطبيعة الحال، بتأمين السيولة المالية في أسرع فرصة، وبالتالي بتعميم أجواء مُتفائلة على الصعيد المالي.

في المُقابل–ودائمًا بحسب المَعلومات المُتوفّرة، إنّ رئيس الحُكومة سيكون أيضًا في موقع المُستمع لمجموعة من المطالب الأميركيّة التي تصبّ في خانة تضييق الحصار المالي على إيران، وعلى كامل التنظيمات المُتحالفة معها، وفي طليعتها "حزب الله"، حيث تُحاول إدارة الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​، خنق هذا المحور إقتصاديًا وماليًا، لتوظيف النتائج الضاغطة المُرتقبة، في خانة الصراع السياسي المُفتوح على مصراعيه في منطقة الشرق الأوسط. ومن المُتوقّع في هذا السياق، أن يرفع المسؤولون الأميركيّون مُستوى ضُغوطهم على لبنان، مُمثّلاً برئيس حُكومته، في مُحاولة جديدة منهم لتخفيف مُستوى غضّ النظر الذي يستفيد منه "حزب الله" في لبنان، وبالتالي للحدّ من تأثيره القوي على المُستوى الداخلي اللبناني من جهة، وعلى المُستوى الإقليمي من جهة أخرى، وذلك إن سياسيًا أو أمنيًا. إشارة إلى أنّ "حزب الله" كان إستبق بدء مُحادثات الحريري في واشنطن، بالحديث عن إستعدادات إسرائيليّة لشنّ حرب على لبنان، وبالتشديد على إستعداد "الحزب" للتصدّي(2)، في رسالة مُزدوجة تستهدف الأميركيّين وضُغوطهم من جهة، ورئيس الحكومة ومَضمون مُحادثاته من جهة أخرى.

في الخُلاصة، النتائج المُتوقّعة لمحادثات رئيس الحكومة الرسميّة مع كبار مسؤولي الإدارة الأميركيّة ستختلف تبعًا لحجم التفهّم الأميركي للوضع اللبناني، وكذلك تبعًا لقُدرة الحريري على التملّص من الضُغوط الأميركيّة المُتصاعدة، وعلى إيجاد المخارج المُتوازنة والتي تهدف إلى الحفاظ على العلاقة الجيّدة بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية من جهة، وعلى إستمرار الدعم الأميركي للدولة اللبنانية من جهة أخرى.

(1) إبنة رئيس الحكومة، ستلتحق بإحدى الجامعات الأميركيّة لمُتابعة تحصيلها العلمي.

(2) رئيس كتلة نواب "حزب الله" محمد رعد أكّد في تصريح له أنّ "العدوّ يتهيأ لشن (حرب) علينا، إلا أنّ المُقاومة جاهزة لمُلاقاته، وعليه أن ينتظر شللاً لكيانه ووضعًا لمصير كيانه على المحك (...) وسنُلقّنه درسًا يُهدّد وُجوده".