صيف ​لبنان​ 2019 راوح بين التعطيل والعطل، ولم يكن شعار "حكومة إلى العمل" سوى إسمٍ على غير مسمَّى، ففي بلدٍ يرزح تحت مئة مليار ​دولار​ دَينًا، وفي بلدٍ لا كهرباء في جزء كبير منه إلا عبر المولِّدات... وفي بلدٍ استُبدِلَت عبارة "رافقتكم السلامة" في مطار ​بيروت​، بعبارة "رافقتكم رائحة ​النفايات​". و"أهلًا وسهلًا بكم" بالإختناق برائحة النفايات أيضًا، ما زال المسؤولون يوحون للمواطنين بأن لديهم مخزونًا من الترف يتيح لهم التصرف وكأن شيئًا لم يكن.

فقد حملت ​مواقع التواصل الإجتماعي​ صورًا فوتوغرافية وفيديوهات في المنتجعات الجبلية والساحلية عن إحتفالات وأفراح ظَهَر فيها زعماء ومسؤولون يغنُّون ويرقصون ويتبادلون التحيات والسلامات الحارة وكأن شيئًا لم يكن بينهم طوال اربعين يومًا من التراشق والتقاذف بالكلام النابي والتصريحات التي أقل ما يُقال فيها إنها بعيدة كل البعد عن أخلاقيات العمل السياسي.

الخجل كان مفقوداً. ويسأل المواطنون: لو أن السياسيين يستمرون في هذا النمط لَما كانت تحصل ضربة كف. فلماذا في ما بينهم يكون ​الضحك​ والارتياح وكأن لا مشكلة بينهم فيما أمام الرأي العام وفي الجلسات السياسية وفي البرلمان يتبارزون؟ هل هذا كله من أجل المزايدات؟

***

كم هو معبِّرٌ كلام رئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​ غداة مصالحة بعبدا حيث أوجز بكلمات قليلة الواقع الذي نتج عن التهدئة من خلال قوله: "المصالحة عادت الى الجبل و​الحكومة​ عادت الى العمل". وعن الخطوات المقبلة المتعلقة بالجانب القانوني واسقاط الحق في ملفي ​قبرشمون​ و​الشويفات​ قال بري: "لن أدخل في الاعلام في هذه النقاط، يفترض أن تفتح المصالحة الطريق من جميع النواحي، كل موضوع يبدأ صغيرا ثم يكبر إلا المصيبة تبدأ كبيرة ثم تصغر."

كلامٌ صحيح، وفيه إقرارٌ بأن مضاعفات حادثة قبرشمون عطَّلت البلد.

***

لكن الأستحقاق الأكبر هو في ​واشنطن​، فرئيس الحكومة ​سعد الحريري​ زار واشنطن من بوابة قاعدة أندروز في ولاية ميريلاند وكان في استقباله سفير لبنان في واشنطن وسفيرة لبنان في ​نيويورك​ فقط. الزيارة بشكلها ومواضيعها متعددة الأبعاد:

فهي عائلية حيث سيكون إلى جانب ابنته في دخولها إلى إحدى ​الجامعات​ الأميركية.

وهي شخصية حيث سيخضع لفحوصات دورية يجريها كل سنة.

وهي ديبلوماسية حيث يسعى إلى لقاء نائب الرئيس الأميركي ​مايك بنس​ ووزير الخارجية الاميركي ​مايك بومبيو​.

***

الزيارة، في شقها الديبلوماسي، لن تكون نزهة، فحبر بيان ​السفارة الأميركية​ في بيروت لم يجف بعد، وهذا البيان الذي كان له مفعول الحسم بالنسبة إلى وضع حد لمضاعفات حادثة قبرشمون، قطع آلاف الأميال من واشنطن إلى بيروت، وفهم الجميع أنه ليس مجرد كلمات بل هو قرارٌ أميركي أبعد من عوكر.

البيان في حقيبة الرئيس الحريري وهو في واشنطن، ومهمته ليست سهلة، هو يعرف ان البلد تتجاذبه قوتان: إقليمية وعالمية، ودوره ليس سهلًا لا في البلد ولا هناك، وسيحاول إقناع الجانب الأميركي بان يمدد "فترة التساهل مع لبنان" مع تيقنه من أن الأميركيين في ظل الإدارة المتشددة، لن يتجاوبوا مع مطلب التساهل.

***

كل ذلك والعين على أموال "سيدر"، علمًا ان الجميع مقتنعون بأن أموال "سيدر" هي عبارة عن صندوق مفتاحه في بيروت.

هذا خطأ جسيم، فالمفتاح في إيدي دول "سيدر" ولن يُستخدم إلا حين تتأكد تلك الدول ان الأموال ستُصرف في الإتجاه الصحيح.