تأخذ ​مريم العذراء​ في جميع الكنائس الغربيّة والشرقيّة مكانة خاصة، عبر تكريمها عبر العصور بطرق عديدة من خلال الاحتفالات بأعيادها، وقد كانت الايقونة واحدة من أبرز الطرق المميّزة والخاصة والفريدة لهذا التكريم ومن الايقونات العديدة لها، ايقونة عيد رقاد والدة الإله.

1-الشكل الأساسيّ للأيقونة

بَقِيَ الرَّسْمُ الأيقونوغرافي لهذا العيد، بخطوطِهِ العريضةِ، ثابتاً على مدى الأجيال، مع اختلاف لبعض المشاهدِ المحيطةِ بالمشهَدِ الأساسيِّ. العذراءُ راقدةٌ وأمامَها الربُّ يسوعُ ​المسيح​ ينظرُ إليها مُتقبِّلاً بين يديهِ رُوحَها الطاهرة.

2-روح العذراء

تَظهَرُ روحُ والدةِ الإله بهيئةِ طِفلٍ ملفوفٍ بأقمطةٍ بيضاء، ببهاءِ الروحِ النقيةِ المستنيرةِ. نرى في بعضِ الأيقونات أجنحةً لروحِ العذراء تَرمُزُ إلى حالَتِها الروحية.

ليس أنَّ العذراء التي حَفِظَت كلَّ شيءٍ في قلبِها تضُمُّ إلى صدرِها الطفلَ المولود، ولدَها وإلهَها، بل الخالق الذي يَحمِلُ بين ذراعَيهِ والدته الفائقة القداسة.

ليس سمعانُ الشيخ مَن يقِفُ أمامَ السيّد، بل الإنسانيةُ المتألهة تقفُ مصليةً مِن عُمْقِ قَلبِها: "الآن أطلقْ عَبْدَكَ أيّها السيّد بسلام..."

​​​​​​​

3-الرسل

"أيُّها الرسلُ اجتمعوا مِنَ الأقطارِ إلى هنا، في قرية الجسثمانية، وأَضجعوا جسدي، وأنتَ تقبَّلْ روحي، يا ابني وإلهي". تَضَعُنا هذه الترتيلة أمامَ مَشاهِدِ الأيقونة السهلةِ والـمُرَكَّبَةِ في آنٍ معاً.

في أعلى الأيقونة نُشاهِدُ سُحُباً صغيرة، وتحملها الملائكة في بعض الأيقونات، وفي وسطها التلاميذ الاثني عشر كَلَآلِئَ في صَدَفةٍ.

نُشاهِدُ في أيقوناتٍ أخرى سَحَابَتَينِ فقط، واحدةً في كُلِّ جهةٍ من القِسم العلوي، والرسل الاثنا عشر متوزعون عليهما مُناصَفَةً.

تلتقي كلُّ الخطوطِ الأساسيةِ التي بُنيتْ عليها الأيقونةُ في وَسَطِهَا حيثُ المسيحُ يقف.

كان مجيءُ الاثني عشرَ رَسْماً لاجتماعِ الأسباطِ الاثنَي عشرَ في أورشليمَ في القيامةِ العامة.

4-محور الأيقونة

تتمحورُ الأيقونةُ حَوْلَ حدثَين متمايزَين ولكنَّهما منسجِمَين، الأولُ عاموديّ مِن الأعلى إلى الأسفل، وهو يظهرُ مع حركةِ الرسلِ النَّازِلَة نحو والدةِ الإله حيثُ الخطوطُ تسيرُ باتجاهٍ واحدٍ وهو جَسَدُ العذراءِ الـمُمَدَّدُ على سريرِ الموت؛ وأمَّا الجسدُ فيشكّلُ الحدثَ الثاني على هيئةِ محورٍ أفقيّ. وعند مركزِ التقاءِ الخطّين يتجلَّى المعنى الحقيقيُّ لهذا العيد، مريمُ نقيةٌّ تَشِعُّ بياضاً بينَ يَدَي السيدِ ابنِها وإلهِها، وهنا يَحدُثُ الانتقال.

فالأيقونةُ ليستْ جَامِدَةً بل تُعَبِّرُ عن حركتي نزول وصعود.

الخطُّ العموديُّ لا يَقْبَلُ إلا أن يَلتَقِيَ بالخطِّ الأفقي، والخطُّ الأفقيُّ يشتهي أن يلتقيَ بالخطِّ العمودي. ليس من وليدِ الصُّدْفَةِ أن يكونَ الخطُّ الأفقيُّ موضوعاً في النِّصفِ السُّفلِيِّ من الأيقونة، عُنْوانُهُ العذراءُ مريم والدة الإله، التي تعطي مثال الإنسانيةُ التي إذا قَبِلَتِ الزرعَ الإلهيَّ تُثْمِرُ وتنتقِلُ إلى ​الحياة​ الأبدية.

تضعُ الأيقونةُ أمامنا اللحظةَ القُصوى للضُّعْفِ البشري، أي الموت، وحاجَتِهِ أن يلتقيَ بالله، الرب يسوع الذي هو الحياة.

​​​​​​​

5-البناءان

البناءان في الخَلْف يمثِّلانِ المدينة، ولكنْ لم تَعُدْ هذهِ المدينةُ مدينةَ الحجرِ بل مدينةَ الروح. وهذا هو الـمُبتغى في الأيقونة: معَ المسيحِ كلُّ شيءٍ أصبحَ جديداً، زالَ الهيكلُ الحجريُّ، وحلَّ محلَّهُ الهيكلُ اللَّحْمِيُّ الذي تألَّهَ باتحادِ السَّيِّدِ فيه.

6-بطرس وبولس وآخرون

عادةً ما نُشاهِدُ في الأيقوناتِ القديسَ بطرسَ عِنْدَ رأسِ العذراء، وبولسَ الإناءَ الـمُصطفى مِن جهةِ القدمينِ في حالِ تضرّعٍ وتمجيد: "افرحي يا أم الحياة، يا نجماً عَلا سناهُ، ما عرفتُ ابنكِ بالجسدِ، ما نظرتُ مُحيّاهُ، لكنَّهُ لِيَ ظَهَرَ، وبِمَرْآكِ رُؤاهُ".

يُشاهَدُ قُرْبَ وجهِ العذراءِ رسولٌ بلحيةٍ بيضاء، إنّه يوحنا الإنجيلي. كما يظهرُ بين الرسلِ نساءٌ، وأناسٌ بثيابٍ أسقفيّةٍ (أموفوريون) مزيّنةٍ بِصُلُبٍ (صُلبان)، وهم تيموثاوس أولُ أسقفٍ على أفسس، ديونيسيوس الأريوباغي، وهيروسي أسقفُ ​أثينا​ وتلميذُ بولس، وأحياناً نشاهِدُ أيضاً القديسَ يوحنّا الدمشقي وكوزما أسقف مايومة لأنّهم نظموا مدائحَ للعذراءِ مريم.

7-التعدّي الوثني (محاولة التدنيس)

حمق رُؤساءُ كَهَنَةِ اليهودِ مِن بهاء جنازة والدة الإله فقصدوا تدنيس الأمر. "تَعالَوا نخرجْ ونقتلِ الرسلَ، ولنقدّمْ لِلنَّارِ الجسدَ الذي وَلَدَ مُؤَسِّسَ هذه الجماعة". فنهضوا وخرجوا بسيوفِهِم وعِصيِّهِم ليَقتُلُوهم، ولكنَّ الملائكةَ الذين كانوا على السُّحُبِ أعمَوا أبصارَهُم، فما عادُوا يَرَون أين هم ذَاهِبون. لذا نراهم في بعضِ الأيقونات أمامَ سرير رقادِ العذراءِ مُحاوِلينَ إِخفاءَ وجوهِهِم بأيدِيهم. وأمّا هييفوني، وهو كاهنٌ كبيرٌ، فدخلَ في موكبِ الجنازةِ، وحاول رمي التابوت فنال جزاءه.

8-توما الرسول والزنار

اقتيدَ الرسولُ توما إلى جبل الزيتونِ وشاهدَ الجسدَ المغبوطَ صاعِداً إلى السماءِ فصرخَ بفرحٍ عظيم: "أيتها الأمُّ الفائقةُ القداسةِ، الأمُّ المباركةُ، الأمُّ البتولُ، إذا وجدتُ حُظْوَةً عندَكِ وأنتِ ذاهبةٌ إلى السماء فتنعَّمي على خادِمِكِ برَحْمَتِكِ". وعلى الفورِ وَقَعَ من السماءِ زُنَّارٌ كانَ الرسلُ حزموهُ حولَ جسدِ الفائقةِ القداسة، أخذهُ توما وقبَّلَهُ، وشكرَ اللهَ على هذهِ النعمة.

الزنار المقدس محفوظ اليوم في كنيسة دير فاتوبيذي في آثوس.

9-العرس السماويّ

وصلتِ القُوى السماويةُ مع السيّد، كما نرتِّلُ في غروبِ العيد، ورفعوا الجسدَ المكرَّمَ الذي تقبَّلَهُ الرّبّ، وصرخوا بأمرٍ عُلْوِيٍّ وبصوتِ رعدٍ لا يُوصف: "هو ذا ملكةُ الكلِّ، الفتاةُ الإلهيةُ، قد أقبلت. فارفعوا الأبوابَ وتقبَّلُوا بِحالٍ تفوقُ العالَم أمَّ النُّورِ الذي لا يَغرُب، فإنه بها قد صارَ الخلاصُ للجنسِ البشري بأسرِهِ، وهي التي لا يمكنُ النَّظَرُ إليها، ولا نستطيعُ أنْ نقدِّمَ لها الإكرامَ بحسبِ الواجِب، لأنَّ الكرامةَ التي قد تَسامتْ بها تفوقُ عَلى كُلِّ عَقلٍ". هذه الأيقونة عرسٌ سماويٌّ، عرسٍ قياميٍّ أبديّ.