لم يكن مفاجئاً ما قاله وزير الخارجية الاميركي ​مايك بومبيو​ في واشنطن خلال اللقاء الصحافي المشترك الذي عقده بعد لقائه رئيس مجلس الوزراء ​سعد الحريري​، وخصوصاً بالنسبة الى ايران و​حزب الله​. وفي حين كان هذا الكلام ليشكّل احراجاً للحريري او اي مسؤول لبناني يكون متواجداً في ظلّ هذا الموقف، فإنّ المسألة باتت عادية مع بومبيو وفي عهد الرئيس الاميركي الحالي ​دونالد ترامب​. ولمن يسأل عن سبب عدم حصول مثل هذا الاحراج رغم الكلام الكبير الذي قاله بومبيو عن حزب الله والتهديد الذي يمثّله بالنسبة الى لبنان، فما عليه سوى العودة الى تصريحات وزير الخارجية الاميركي نفسه حين زار لبنان في شهر آذار الفائت، والتي كانت الاقسى بحق ايران وحزب الله وقالها في بيروت، رغم ما سمعه في المقابل من كلام يناقض هذه النظرية من قبل المسؤولين اللبنانيين وبعض السياسيين.

ما قاله رئيس الدبلوماسية الاميركي في واشنطن بحضور الحريري، لم يؤثّر بالشكل او المضمون على الزيارة، ولا يمكن القول انه أحرج الحريري وقد يخرجه من ​رئاسة الحكومة​ بسبب هذه المواقف، اذ انه بالاضافة الى السبب الاساسي الذي ذكرناه آنفاً لجهة اطلاق بومبيو مواقف اكثر قوة خلال زيارته الى لبنان، يعلم الجميع ان الهدف من زيارة الحريري الى ​الولايات المتحدة​ اقتصادي محض، وهو ينشد المنفعة المشتركة ايّ للبنان وله ايضاً من خلال كسبه صورة رئيس الحكومة الذي يعمل على انتشال لبنان من محنته الاقتصاديّة والماليّة، وهذا ما عكسه في تصريحاته بعد اللقاء، لجهة ان لا قدرة للبنان على تغيير موقف ​اميركا​ بالنسبة الى ايران، ولكن واشنطن اكّدت دعمها للبنان اقتصادياً ومالياً، وبعبارة اخرى، حمل الحريري تطمينات اضافية بأن العقوبات الاميركيّة الاقتصاديّة على ايران وحزب الله لن تؤثر على لبنان في هذا المجال، وان استقراره المالي امر مفروغ منه ومتفق عليه بين الدول الكبرى وفي مقدمها طبعاً الولايات المتحدة.

هذا الموقف لا يعني بأيّ شكل من الاشكال انّ ​الادارة الاميركية​ الحاليّة في وارد التخفيف من الضغط الاقتصادي على حزب الله، ولكنه يعني انها لن تعمل، كما كان يتخوف ويروّج الكثيرون من داخل لبنان وخارجه، انها ستعمد الى شلّ ​الاقتصاد اللبناني​ للانتقام من الحزب. اما المجال الآخر الذي التزمت به اميركا وتمّ كشفه بشكل غير مباشر، فهو انها مستمرّة بتقديم الدعم للجيش اللبناني، ما يعني ان "الفيتو" الموجود على استيراد اسلحة للجيش من مصادر او دول اخرى، لا يزال قائماً وانّ التهديد بوقف التعامل معه اذا ما تمّ اللجوء الى ​روسيا​ او ​الصين​ او ايّ دولة في ​العالم​، لا يزال قائماً وجاداً. ويمكن اعتبار زيارة الحريري الى اميركا ناجحة بالنسبة اليه بكل المعايير، وقدّمت له واشنطن من خلالها خدمة كبيرة عزّزت صورته الداخليّة والاقليميّة، وارسلت رسائل لمن يعنيهم الامر انها لا ترغب حالياً في احراجه او الضغط عليه، وانها تدعمه في ما يقوم به، وهي الاهداف التي وضعها اصلاً قبل وصوله الى العاصمة الاميركيّة، وقد حقّقها بشكل كامل.

وعلى عكس العلاقة الجيدة التي تربط الحريري بالادارة الاميركية، لا يبدو ان العلاقة بينها و​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ تسير بشكل جيد، وهو ما انعكس خلال الزيارات التي قام بها عون الى ​نيويورك​ للمشاركة في اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة منذ وصوله الى سدّة الرئاسة، والتي لا يبدو انها ستكون مختلفة هذا العام ايضاً حيث من المتوقع ان يغيب أيّ لقاء بينه وبين ترامب او أي مسؤول اميركي رفيع المستوى كوزير الخارجيّة او غيره، ولو انّ المشاركة بحدّ ذاتها لا تفرض مثل هذا النوع من اللقاءات، لكن الرسائل تقرأ بشكل واضح عبر عناوينها... وكي لا يساء فهم ما سبق، فإنّ الادارة الاميركية لا تعمل على تغيير رئيس الجمهورية او قطع العلاقات معه، لكنها تكتفي بتسجيل موقف "عدم تجانس" قائم بينهما.