طرحت الاحداث الامنية المتنقّلة والمتلاحقة في ​مخيم عين الحلوة​، جملة من التساؤلات حول توقيتها وخلفيّتها في خضم سلسلة من التحدّيات التي تواجه القضية الفلسطينية وأبناء شعبها في المخيّمات، بدءًا من المخاوف الجدّية من تطبيق "صفقة القرن"، والتي ترجمت في أكثر من اتجاه، لجهة القرارات الاميركية حول القدس واللاجئين أو وقف مساعداتها المالية لوكالة "الاونروا" ومحاولة انهاء عملها وصولا الى شطب قضية اللاجئين، تزامنا مع التحركات الاحتجاجيّة في المخيمات، رفضا لتطبيق القانون المتعلّق بالعمالة الأجنبيّة في اطار حملة تنظيم اليد العاملة غير اللبنانية، ناهيك عن تصاعد وتيرة الدعوات بين جيل الشباب والعائلات الى "الهجرة الجماعية" من المخيّمات للمرّة الاولى، تحت عنوان "اللجوء الانساني".

في الأروقة الفلسطينية الداخلية، ثمة أحاديث تدور في السر والعلن، بانّ التوترات الأمنية المتنقلة ليست "برئية" في توقيتها، فقتل الناشط الاسلامي محمد لطفي الملقب "أبو جندل" في منطقة "السكّة" في تعمير عين الحلوة، جاء في الوقت الذي كانت فيه القوى الفلسطينية تستعد لوضع برنامج جديد للتحركات الاحتجاجيّة السياسيّة والشعبية رفضا لتطبيق قانون العمل، وقبله قتل الشاب الفلسطيني حسين جمال علاء الدين الملقّب (الخميني) في ذروة الحركات الاعتراضية، ما فرض جدول "أعمال طارىء" في إنهاء حالة بلال العرقوب الذي قتل في عملية أمنيّة خاطفة"، بينما جرى تسليم نجليه "أسامة ويوسف" الى مخابرات الجيش اللبناني، فضلا عن القاء قنبلتين يدويتين في احد الازقة المتفرّعة من سوق الخضار، أدّت الى إصابة فلسطيني في وجهه وقدميه وستستمع "القوة المشتركة" الى افادته لمعرفة تفاصيل ما جرى.

وتؤكد مصادر فلسطينية لـ"​النشرة​"، ان هذه الاحداث الامنيّة اعادت عين الحلوة الى سيرته الاولى من "الامن الهشّ"، القابل للاهتزاز عند ايّ حدث جديد، خلافا لما كان متوقعا، بأن ينعم بمرحلة من الهدوء والاستقرار بعد إنهاء حالة العرقوب بتوافق فلسطيني للمرة الاولى شكّل "رسالة" حاسمة بأنّ العبث بالأمن ممنوع وهو "خط أحمر" ومن غير المسموح لأحد المساس به أو تجاوزه.

كما انها أحبطت المفاعيل الايجابية التي نعم بها المخيّم مّما أوحى أنّ التلاقي حصل بين بعض القوى والاطراف والمجموعات والافراد، ولجهة كسر المربعات الامنيّة التي كانت محظورة على البعض نتيجة الخلافات.

وفيما إستدعت هذه الاحداث الامنية، تحركات سياسية فلسطينية ولبنانية عاجلة لقطع الطريق على أي فتنة وقد نجحت حتى اللحظة في تجاوز قطوعه، توقّفت مصادر فلسطينية باهتمام امام ارتفاع وتيرة الدعوات الشبابيّة للهجرة الجماعيّة تحت عنوان "اللجوء الانساني"، فبعد خطوة تنظيم "تظاهرة" أمام السفارة الكنديّة في "جل الديب" في بيروت منذ اسبوعين، بمشاركة نحو 800 لاجئا، بدأ مندبو "الهيئة الشبابية الفلسطينية للجوء الإنساني–لبنان"، بتسجيل أسماء الراغبين باللجوء في عدّة نقاط في المخيّمات الفلسطينيّة والمدن اللبنانيّة ومنها صيدا، كان اللافت فيها ليس فقط ذكر أسماء المندوبين واماكنهم وساعات تواجدهم، وانما كثافة أعداد الذين تقدّموا بطلباتهم، والذين يتوجب عليهم تقديم صورة عن "بطاقة الاعاشة"، التوقيع عليه وذكر المنطقة التي يقيم فيها ورقم الهاتف (علما ان تقديم الطلبات مجانيّة أيّ دون رسوم ماليّة)، وأوضحت "الهيئة" عبر مواقع التواصل الاجتماعي شرحت فيه الهدف من تقديم الطلبات، وفرّقت بين مصطلح لغوي وآخر، وأكّدت "ان ما نقوم به هو بهدف "اللجوء الانساني خارج لبنان وليست هجرة او تهجير"، مضيفة "مثل ما أنا لاجىء في لبنان، سأكون لاجئا في الخارج في كندا او استراليا او اي دولة اوروبيّة"، مردفة "نحن ليس هدفنا التهجير وكل الذين قدموا "بطاقة الاعاشة" قدموه بمحض ارادتهم، وقد وقّعوا على ذلك ولم نجبر احدا، وابلغناهم انّ هذه البيانات ستصل الى السفارات التي سنعتصم امامها، كما انه هناك ملحق للسفارة الكنديّة، نريد ان نتقدّم بلجوء انساني كي نعيش بكرامة".

وفيما التزمت القوى الفلسطينيّة الصمت رسميا مع خرقه بمواقف لمسؤولين، قرأت اوساط فلسطينية عبر "النشرة"، هذه الخطوة بأنها تتساوى مع "صفقة القرن"، وعلى انها مؤشر خطير على مدى اليأس والإحباط الذي وصل اليه الشعب الفلسطيني في المخيّمات واستعداده للهجرة تحت أيّ مسميات، في ظل عجز القوى الفلسطينية وغياب أيّ خطة استراتيجية للمواجهة، مع ارتفاع معدل البطالة والفقر المدقع بين ابناء المخيمات وتقليص "الاونروا" لمختلف خدماتها تدريجيا و"منظمة التحرير الفلسطينية" لمساعداتها بسبب حصار السلطة سياسيا وماليا.