بعد لقاء المُصارحة والمُصالحة الذي عُقد في قصر بعبدا في الماضي القريب، جاء إنتقال رئيس الجمهوريّة العماد ​ميشال عون​ إلى القصر الرئاسي الصيفي في بيت الدين، حيث زاره وفد رفيع من "الحزب التقدمي الإشتراكي"-قبل أن تتوالى الوُفود تباعًا، ليُعزّز أجواء الإستقرار والهُدوء على المُستوى الداخلي العام، بعد لملمَة تداعيات أحداث قبرشمون والبساتين–أقلّه مرحليًا. ومع توجّه الأنظار إلى القصر الرئاسي الصيفي حيث يُنتظر أن تُعقد الجلسة المُقبلة لمجلس الوزراء، بُعيدَ عودة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ من زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركيّة، هل ستستمرّ الأجواء الإيجابيّة الحاليّة، أم ستعود أجواء التوتّر نتيجة تراكم الملفّات الخلافيّة التي لم يعد من المُمكن إرجاء البحث فيها؟.

لا شكّ أنّه بعيدًا عن البُنود العادية، يُنتظر أن يبحث مجلس الوزراء إعتبارًا من جلسته المُقبلة في مجموعة من الملفّات الحسّاسة والتي لا تحظى بإجماع سياسي حولها، الأمر الذي يجعل أجواء الترقّب هي السائدة في المرحلة الحالية. وفي هذا السياق، يُمكن تعداد ما يلي:

أوّلاً: مِلفّ التعيينات الإدارية الذي أرجئ مرّات عدّة، لا يزال يُواجه عقبات، ومن المُتوقّع أنّ تُمارس ضُغوط كبيرة على "الحزب التقدمي الإشتراكي" لمنح ثلث الحصّة الدُرزيّة إلى حزبي "التوحيد العربي" و"الديمقراطي اللبناني". ومن المُتوقع أيضًا أن يكون كلّ من "حزب الله" و"التيّار الوطني الحُرّ" بالمرصاد لأي مُعارضة "إشتراكيّة" لهذا الأمر. وهذا الملفّ الحسّاس مرشّح لإثارة المشاكل مُجدّدًا بين "التيّار" من جهة و"القوات اللبنانيّة" من جهة أخرى، علمًا أنّ "القوات" تُحاول تجنّب الخلاف في هذا الملف، من خلال المُطالبة بتطبيق آلية تعيين واحدة ومُوحّدة على مُجمل التعيينات. وبالتالي الكرة ستكون في ملعب "تيّار المُستقبل"، الذي سيتكرّر معه في التعيينات المرتقبة، "سيناريو" توزيع الحُصص الحُكوميّة، بحيث سيكون في موقع حرج بين الدفاع عن مصالح الحلفاء، والحفاظ على "التسوية الرئاسيّة" مع "التيار" الذي يتطلّع إلى توسيع سيطرته أكثر فأكثر على العديد من المواقع الرسميّة في الدولة، ويعتبر أن حصّة "القوات" و"تيّار المردة" يجب ألاّ تتجاوز ما عكسته نتائج الإنتخابات النيابيّة الأخيرة. وليس بسرّ أنّ "المستقبل" سيتعرّض بدوره لضُغوط كبيرة للتنازل عن حصّة لا بأس بها من التعيينات لصالح "المُعارضة السُنّية"(كلام أمين عام "حزب الله" السيّد حسن نصر الله عن ضرورة أن لا يُلغي أحد أي جهة في طائفته، يستهدف بشكل غير مباشر "المُستقبل" و"الإشتراكي").

ثانيًا: ملف النفايات الذي من المُتوقّع أن يعود ليضغط بقُوّة على مُجمل الوضع الداخلي، في ظلّ ضيق الفترة الزمنيّة الفاصلة بين عودة تكدّس النفايات في الشوارع والبلدات اللبنانيّة وإمكان إيجاد الحُلول المُوقّتة التي لا تزال خاضعة للخلافات وللتجاذبات السياسيّة والطائفيّة. والمُشكلة أن تأجيل الملف والتهرّب من فرض الحُلول لم يعد مُمكنًا بعد وُصول القدرات الإستيعابيّة للمطامر المُعتمدة حاليًا، إلى ذروتها! ومن المُرتقب أن يُضطرّ وزير البيئة فادي جريصاتي لإتخاذ قرارات حازمة لإيجاد مطامر موقّتة في أكثر من منطقة، تجنّبًا لعودة النفايات إلى الشوارع، لكنّ تنفيذ هذه القرارات لن يكون سهلاً على الإطلاق، وهو سيُواجه بإعتراضات سياسيّة وشعبيّة واسعة، بحسب التوقعات.

ثالثًا: ملفّ العمالة الفلسطينيّة حيث لا يزال وزير العمل كميل أبو سليمان يأمل بأن يتمكّن من تطبيق القوانين اللبنانيّة المرعيّة الإجراء ضُدّ العمالة الأجنبيّة في لبنان، بينما يستعدّ أكثر من طرف لوقف الإجراءات المنفّذة بحقّ اللاجئين الفلسطينيّين بذريعة أنّ صفة اللاجئ تُعفيهم من هذه الواجبات القانونيّة. وبحسب المعلومات المتوفّرة، إنّ رئيس الحُكومة سيُحاول تدوير الزوايا في هذه المسألة، لجهة مُحاولة وقف هذه الإجراءات بقرار من مجلس الوزراء، لكن مع حفظ ماء وجه حزب "القوات" تجنّبًا لتعريض علاقته بالقوّات إلى إهتزاز جديد. إلا أنّ "القوات" لن تُسلّم بسُهولة بهكذا قرار، وهي ستُحاول إفشاله، خاصة بعد إعلان رئيس "التيّار الوطني الحُرّ" وزير الخارجيّة جبران باسيل إنّه يأمل ألاّ تتراجع "القوّات" عن قرارها، ما يعني أنّ تراجعها عنه سيمنح خُصومها السياسيّين ورقة إضافيّة لإحراجها!.

رابعًا: ملف المعابر غير الشرعيّة حيث لا تزال هذه القضيّة عرضة لعمليّة شدّ حبال إعلامي بين وزير الدفاع إلياس أبو صعب وبعض مسؤولي حزب "القوّات"، علمًا أنّ الخلفيّة الفعليّة لهذا الملف الحسّاس تتجاوز مسألة التهرّب الضريبي والجُمركي الذي ألحق خسائر ماليّة جسيمة بخزينة الدولة، وهي تتناول مسألة تهريب الأسلحة والذخائر ولوّ من دون إثارة هذا الموضوع بشكل مُباشر في الإعلام. يُذكر أنّ إمتدادات ملف ضبط المعابر الحُدوديّة البريّة والبحريّة والجويّة في لبنان تصل إلى الإدارة الأميركيّة التي تضغط على الحُكومة اللبنانيّة لمُعالجة هذا الملف بشكل حاسم.

خامسًا: ملفّ أحداث قبرشمون والبساتين الذي صحيح أنّه خرج من التجاذب السياسي الذي كان يُعطّل جلسات مجلس الوزراء، بفعل الضغط الكبير الذي مُورس على كل الأطراف المَعنيّة فيه، لتخفيض سقف مطالبها، وذلك مَنعًا للإنهيار الإقتصادي، فإنّه لا يزال عرضة للتجاذبات القضائيّة–بعيدًا عن الإعلام، في ظلّ ترقّب لوجهة التوقيفات التي لم تحصل بعد، علمًا أنّ عدد المَطلوبين كبير. وبالتالي، إنّ المُضيّ قُدمًا بهذا الملفّ يعني إجراء توقيفات أمنيّة حسّاسة في الجبل، مع ما يعنيه هذا الأمر من توتّرات مُحتملة خاصة في حال لم تكن التوقيفات عادلة وتشمل مُختلف المُتورّطين، بينما عدم القيام بهذه التوقيفات يعني الوُصول إلى نهاية فاشلة جديدة في ملفّ حسّاس ودقيق.

سادسًا: ملفّ العُقوبات الأميركيّة التي تُحاول الحُكومة اللبنانيّة الحدّ من أضرارها قدر المُستطاع على الوضع الإقتصادي والمالي العام، خاصة وأنّه لا يُمكن فصل هذه العُقوبات عن محطّات مُهمّة مُرتقبة في المُستقبل القريب، أبرزها تقرير مُؤسّسة "ستاندر أند بروز" الذي سيصدر قريبًا في ظلّ تخوّف من تخفيض تصنيف لبنان. إشارة إلى أنّ مشاريع مُؤتمر "سيدر" لا يُمكن أن تنطلق من دون الحُصول على "ضوء أخضر" دَولي للإفراج عن القروض الماليّة للبنان، وهذا الأمر سيضعه تحت ضُغوط أمميّة كبيرة.

في الخُلاصة، من المُنتظر أن تُعقد قريبًا جلسة لمجلس الوزراء في القصر الرئاسي الصيفي في بيت الدين، في ظلّ سباق حسّاس بين إطلاق عجلة الدولة بشكل طبيعي من جهة، والملفات المتفجرّة المُتراكمة من جهة أخرى. فلمن ستكون الكلمة النهائية في هذا السباق الذي يضغط بشكل كبير على الواقع الحياتي والمَعيشي للبنانيّين؟