من علامات الطمأنينة والوفاق أن يصعد فخامة ​الرئيس ميشال عون​ إلى مقرِّه الصيفي، في بيت الدين.

كم تَحملُ من رمزية مشاهد اللبنانيين يتقاطرون خلال عطلة الأسبوع إلى القصر، ليعبِّروا عن الألفة.

إن صعود فخامة الرئيس إلى بيت الدين يؤكد أن محنة الأربعين يوماً، بعد ​حادثة البساتين​، قد انتهت. ومعها زالت أجواء الشحن والتوتر والهواجس ورفع السقوف. وزيارة وليد بك جنبلاط للرئيس عون في بيت الدين ستكون أفضل تتويج للمصالحة.

***

هنا، لا بدّ من الاعتراف بالجميل للرجل الذي لم يَملْ ولم يَتعبْ، بعدما حقَّق المصالحة والمصارحة، فجمَع الكُلّ في ​قصر بعبدا​.

إنه ​اللواء عباس ابراهيم​، صاحب الأيادي البيضاء، في الأزمات الصعبة. فهو الرجل الوحيد القادر على "فكّ المربوط"، على الطريقة اللبنانية. ولا أحدَ مِثلُه يحظى بثقة اللبنانيين جميعاً، وله رصيد في كل المحافل الإقليمية والدولية.

***

مشهد المصالحة والوفاق في بعبدا وبيت الدين جاء في وقته. فاللبنانيون كانوا يراهنون بقوة على شهر آب، شهر العطلات والسياحة. لعلهم يعوّضون شيئاً من الخسائر التي تراكمت طوال السنة.

وبالفعل، كان شهراً سياحياً بامتياز. وفي يوم واحد فقط، غادر مطار رفيق الحريري الدولي 22 ألفاً و800 شخص، كما أعلنت وزيرة الداخلية ريّا الحسن. وهذا رقم غير مسبوق في تاريخ المطار.

طبعاً، تعرَّض المسافرون للإزعاج بسبب الفوضى والزحمة، فهذا هو لبنان الذي على مسؤوليه أن يتعلموا ان مبادئ السياحة الناجحة أن نوفِّر للسائح رفاهية الدخول والخروج والإقامة؟

***

لكن الأهم هو: ماذا ينتظرنا من الخارج؟

جميلة الصُوَر العائلية التي نشرها الرئيس ​سعد الحريري​ على حسابه عبر "انستغرام": مبتسماً، بالثياب "السبور"، في مزرعته مع عائلته قرب واشنطن، وهو يستقبل وزير الخارجية الأميركي ​مايك بومبيو​، في لقاءٍ هو الثاني بينهما خلال زيارة رئيس الحكومة للعاصمة الأميركية.

هذه الصوَر تؤشّر إلى العلاقة الودّية بين الرجلين. بالتزامن مع احتمال قيام ​الولايات المتحدة​ برفع مستوى العقوبات على لبنان، بالتوازي مع العقوبات التي تفرضها على "​حزب الله​".

فالواضح بالنسبة للبنان الرسمي هو استمرار دعمهم للجيش اللبناني. لكنهم أكدوا مجدداً موقفهم بضرورة أن يتعاطى لبنان بشكل متشدّد مع "حزب الله".

***

ولكن القطبة الحسّاسة: هل فعلاً ستشمل العقوبات حلفاء "حزب الله"؟ والمقصود هنا بالدرجة الأولى، "التيار الوطني الحرّ" والوزير ​جبران باسيل​.

لقد حاول الرئيس الحريري، بعد الاجتماع مع بومبيو، أن يتجنَّب الإدلاء بمواقف واضحة في هذا الشأن. واكتفت الأوساط القريبة منه بالقول: فكرة توسيع العقوبات يجري تداولها في الكونغرس منذ زمن. ولا شكّ في أنها اليوم أكثر تداولاً.

طبعاً، هذا الكلام فيه بعض الإيحاء، لكنه لا يبوح بكامل ما يدور في أفكار صنّاع القرار في ​الإدارة الأميركية​.

***

ولكن، نسأل هنا: ألا تُعبِّر وزارة الخارجية وتحديداً وزيرها جبران باسيل اليوم عن نهج لبنان كلّه؟

أليس اللبنانيون جميعاً هم اليوم في خط العداء ل​إسرائيل​؟

***

في الانتظار، نعود إلى المشاكل الداخلية التي نغرق فيها.

في أول اجتماع لمجلس الوزراء، بعد انتهاء عطلات الأعياد وعودة الحريري إلى بيروت، ستكون هناك ملفات ساخنة على الطاولة:

كيف سنواجه استحقاقات ​الوضع المالي​ وتقارير التصنيف والعقوبات ومفاوضات الحدود مع إسرائيل، فيما أقصى طموحنا هو: كيف نعالج عدم قدرة مكبّ برج حمود لاستيعاب كميات جديدة؟

نحن على وشك الغرق مجدداً في أزمة نفاياتٍ قد تعود معها مشاهد الرعب التي سادت في مرحلة سابقة، والتي تناقلت مشاهدها الـ"سي إن إن" ووسائل الإعلام العالمية الأخرى. وفي هذه الحال… أي سيّاح سيغامرون بالمجيء إلى "بلد المكبّ"، فيما كل المكبّات في لبنان تصب في جيوب المنتفعين من طوائف ومذاهب وفئات مختلفة…؟

***

وعلى سيرة التوازن، ستكون ​التعيينات​ أزمة ساخنة أيضاً في المرحلة المقبلة. هل ستتمكن الجلسة المقبلة من الدخول في هذا الملف؟ ولمن ستكون الحصة الأكبر؟

وهذا التصنيف يقدم رسائل إلى "سيدر" وكل الجهات المانحة ومؤسسات التصنيف. وسلوكنا في الحكومة ومجلس النواب منذ انتهاء مؤتمر "سيدر" حتى اليوم كرّس هذه الصورة بدلاً من أن يمحوها.

إنه القطوع ما زال متحكِّماً بنا، واستراحة الصيف كانت مجرد شهر سياحي لمغتربينا الأحباء.

أيام ويأتي شهر أيلول و"طرفو بالأزمات مبلول"…

وماذا بعد أيلول يا تُرى؟