مع احتفالات الذكرى 13 للانتصار الاستراتيجي الذي حققته ​المقاومة​ في جنوب ​لبنان​ على العدو الصهيوني في العام 2006 ، تكثفت الانجازات التي تحققت و المواقف التي اطلقت من قبل مكونات محور المقاومة بحيث ان قراءة علمية و استراتيجية معمقة لها تقود الى القول بان هناك متغير إقليمي و دولي جديد بات يفرض ايقاعه على العلاقات الدولية و على الخطط الاستراتيجية التي ترسم او يتحدث عنها في الإقليم ، متغير من شانه ان يحدث إعادة تركيب للعلاقات و المحاور و الجبهات بما لا يتناسب مع اهداف و خطط معسكر العدوان على المنطقة بقيادة أميركية .

وفي هذا السياق نتوقف عند اربعة وقائع و مواقف سجلت خلال الشهر الجاري و كلها اذا جمعت و نظمت تتكامل لترسم المشهد الجديد الذي نتحدث عن المتغير فيه ، ففي ​ايران​ كانت مسالة حرب الناقلات التي سجلت فيها ايران الانتصار على ​اميركا​ ، و في سورية كانت بدايات معركة تحرير ادلب التي كسرت فيها سورية خطة حرب الاستنزاف لإطالة امد الحرب ، و في اليمن كانت الوقائع الميدانية و التشظي في معسكر العدوان ينبئ بان اعلان نصر اليمن وهزيمة ​التحالف السعودي​ بات امرا وشيكا ، اما في لبنان فقد كانت القنبلة التي اطلقها ​السيد حسن نصرالله​ و التي اعلن فيها عن اقامة نظام دفاعي ابداعي متطور في ​جنوب لبنان​ يمنع ​اسرائيل​ من تحقيق أي انجاز عسكري فيه أي حرب قد تشنها على لبنان .

والبداية مع حرب ناقلات ​النفط​ التي افتتحتها اميركا عندما ارادت ان تشدد حصارها ل​إيران​ عبر الحد من تحرك ناقلاتها النفطية واوعزت باحتجاز الناقلة الإيرانية غرس 1 ونفذت ​بريطانيا​ الامر عبر حكومة ​جبل طارق​ بذريعة ان الناقلة تخرق العقوبات الأوربية المفروضة على سورية وادعت بان غريس 1 متوجهة الى سورية ما يبرر احتجازها. واعتقدت اميركا بان إيران ستستلم للأمر الواقع وتنسى امر ناقلتها. لكن إيران سفهت الظن الانكلوسكسوني، وبادرت الى مواجهة مركبة سياسية ودبلوماسية وعسكرية وامنية، اكدت خلالها بان احتجاز سفينتها انما هو عمل قرصنة غير مشروع ينتهك القرارات الدولية، وبادرت الى التطبيق الحرفي للقانون الدولي للنقل البحري في ​الخليج​ ما اتاح لها احتجاز ​باخرة​ بريطانية خرقت قواعد الامن البحري.

لم تقلح كل المحاولات الغربية والمحاولات لضغط على ايران و التهويل بأنشاء حلف بحري للأمن في الخليج و التهديد باللجوء للقوة كل ذلك لم يفلح في استعادة الباخرة البريطانية من القبضة الإيرانية ، ما اضطر بريطانيا في نهاية المطاف للتنصل من مسؤوليتها عن احتجاز غريس 1 و حصر الامر في قرارات حكومة جبل طارق التي بادر القضاء فيها الى أطلاق الباخرة الإيرانية دون ان يصغي الى الضغوط و الطلبات الأميركية بمصادرة الباخرة ، فكان رفع الحجز عن الباخرة الإيرانية بكامل حمولتها بمثابة الصفعة الكبرى لبريطانية و اميركا معا صفعة تكررت على الخد الأميركي مع رفض حكومة جبل طارق الاستجابة للطلب الأميركي بمصادرة الباخرة، التي اطلقت و بقيت الباخرة البريطانية على رصيف إيراني تنتظر قرار ​القضاء الإيراني​ بشأنها و سجلت ايران بذلك انتصارا ​مركبا​ صنعته دبلوماسية حاذقة و قوة عسكرية رادعة قادرة .

وفي سورية أطلق الجيش العربي السوري ردا على تنصل الإرهابيين من مقتضيات ​منظومة​ خفض التصعيد في ادلب، وعلى امعان ​تركيا​ بالمناورات الاحتيالية وانقلابها على مخرجات استنة 13 وسوتشي واتجاهها مع اميركا لاقامة ما تدعيه من" منطقة امنة" في شمالي شرقي سورية، أطلقت عملية تحرير الريف الواقع ضمن مثلث حلب حماه ادلب، ليكون تمهيدا لتحرير ادلب ومنطقتها كلها. وقد حققت التشكيلات الميدانية العاملة في الريف ​الجنوب​ي الشرقي لا دلب والريف الشمالي لحماه، إنجازات ميدانية هامة قادت القوى الى ​خان شيخون​ المدينة ذات الأهمية والرمزية الاستراتيجية والميدانية، وانزلت بالمسلحين خسائر بليغة بالعديد والعتاد واجهضت خطة حرب الاستنزاف التي شاءها الأميركي والتركي لاستنزاف قوى الجيش العري السوري ودفعه للتآكل ومنعه من استكمال مهمة تحرير ادلب وبعدها شرقي ​الفرات​.

ان الإنجازات التي حققها الجيش العربي السوري في شرقي ادلب وشمالي حماه تعتبر ذات أهمية بالغة التأثير على مسار العمليات ​المستقبل​ية وتنبئ بان مسالة تحرير ادلب وضعت على نار حامية وان منارات معسكر العدوان على سورية لن تفلح في منع الجيش من استكمال مهمة التحرير ولن تنجح في منح تركيا وقتا إضافيا لتمرير مشروعها الاستعاري الاحتلالي في سورية. وغني عن البيان القول بان تحرير ادلب سيسقط تبعا له كل المشاريع التي تعد بيد اجنبية لمنطقة شرق الفرات وان هذه الإنجازات وجهت رسائل هامة لمن يعنيه الامر في تلك المنطقة ما حمله على تلمس السبل للعودة للحوار مع ​الحكومة السورية​ التي لها ان تطمئن الى المستقبل نتيجة الانجازات العسكرية التي تتحقق.

و في اليمن وجهت ​اللجان الشعبية​ و ​الجيش اليمني​ ضربة نوعية بالطائرات المسيرة التي استهدفت حقل شيبة النفطي الذي تصفه ​الغارديان​ البريطانية بانه اقرب الى منجم ذهب منه الى حقل نفط نظرا لطبيعته و خصوصيته المتميزة ، و قد حملت هذه الضربة من الرسائل الاستراتيجية و العملانية ما يؤكد بان اليمن مستمر في الارتقاء في معركته الدفاعية بشكل تصاعدي في مقابل الوهن و التفكك و التنافر الذي ينخر في جسم تحالف العدوان تنافر انفجر صراعا ين ​السعودية​ و ​الامارات​ في عدن ، لم تنفع في معالجته كل البيانات السوداء التي أصدرت و لم تحجبه كل البسمات الصفراء التي ارتسمت اصطناعيا على وجوه "الاخوة الأعداء". هذا الواقع معطوفا على الرسائل الثلاث التي حملتها الطائرات المسيرة للسعودية واقتصادها وللأمارات وامنها ولأميركا وصناعتها العسكرية، يثبت بان اليمن الذي بات عبر مكوناته ​السياسة​ الدفاعية المسلحة مكونا أساسيا من مكونات المقاومة في وجه المشروع الاستعماري الاحتلالي، يثبت بان هذا اليمن يحصد الانتصارات ليراكم بها إنجازات محور المقاومة من جهة وليؤكد وبصورة قطعية ان هزيمة العدوان على اليمن باتت امرا محسوما لا يناقش فيه عاقل.

وأخيرا نعود الى لبنان ونتوقف عند الإعلان الصاعق الذي أطلقه ​السيد حسن نصر الله​ والقول بانه بات للبنان نظام دفاعي ابداعي يمكنه ان يحول كل بقعة في الجنوب الى مربع نصر للمقاومة وسحق ل​إسرائيل​. وقد جاء هذا الإعلان ليكون بمثابة الصدمة للعدو الذي يعرف جيدا ماذا يقصد السيد بالنظام الدفاعي واقله انه يعرف ان هذا النظام يشمل فيما يشمل منظومة قيادة وسيطرة فاعلة ومنظومة انذار مبكر يقظة وعنصر ناري مؤثر وقدرات قتالية فاعلة فاتكة مع شبك وتماسك واسناد متبادل بين القواعد والمراكز معطوفا على نظام استعمال وتهيئة الأرض وترصينها دفاعيا بما يؤمن التمركز والانتقال الامن بعيدا على مخاطر طيران العدو.

ومن شان هذا النظام كما يوقن لعدو ان يجعل الجنوب منطقة مغلقة بوجه العدو في صيغة أولى ويجعله مقبرة لجنوده الذين توعدهم السيد بالقتل والتدمير تحت عدسات الكاميرا وعلى شاشات التلفزة، كما من شانه ان يزلزل معنويات العدو وينسفها ويؤكد مقولة الإسرائيليين أنفسهم بقيام توزان استراتيجي وردع متبادل بين إسرائيل والمقاومة ما يفقد العدو وبشكل شبه نهائي القدرة على قرار الحرب ويجعل لبنان مستمرا بالتنعم ب​الأمن​ والاستقرار الذي تذوقه منذ العام 2006.

هذه الإنجازات التي صنعها في موقعه كل مكون من مكونات محور المقاومة بدعم واسناد من الاخرين، لا يمكن ان تبقى في تداعياتها محصورة في يد من صنعها، بل تقرأ وتفهم على أساس ان المحور تحول الى جبهة هي "جبهة المقاومة " التي باتت تشمل مكونات مسلحة رسمية وغير رسمية في لبنان وسورية و​العراق​ وإيران واليمن و​فلسطين​، وتؤيدهم شعوب في تونس و​الجزائر​ و​البحرين​ وشرائح من شعوب عربية وإسلامية أخرى.

نعرض هذا لنقول بان ما كان مقاومة محلية وطنية ، تحول الى محور مقاومة إقليمية محصورة ، واليوم يتحول الى جبهة مقاومة واسعة تتعدى دولة او وطنا محددا لتشمل كامل منطقة ​الشرق الأوسط​ مع بعض من أجزاء ​افريقيا​ ، و هذه الجبهة تحصد الإنجازات في مواجهتها لمعسكر الاستعمار الاحتلالي الذي تتعدد تسمياته و تتوحد أهدافه و تتقاطع عند "إقامة ​شرق أوسط جديد​ أميركي " بينما نجد ان الجبهة التي شكلت في البدء عوائق امام المشروع هذا ، تؤسس اليوم لاقامة شرق أوسط لأهله مستقل القرار سيد نفسه ، شرق أوسط بات في حماية جبهة متناسقة متحالفة متحدة تبدو كالجسم الواحد اذا شكا عضو منه تداعى باقي الأعضاء بالسهر والعناية ".