لم تكن الدردشة التي اجراها ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ مع الصحافيين في المقر الصيفي الرئاسي في بيت الدين مجرد كلام عابر لا يجدر التوقف عنده، بل كانت اشبه بخارطة طريق لما تبقى من الولاية الرئاسية، ويمكن التعويل عليها بشكل اكبر كونها لا تأتي، على غرار خطاب القسم، من افكار واهداف دون ممارسة، بل بعد مقاربة واقعيّة للامور حول ما يمكن تحقيقه وما لا يمكن. بدا عون مرتاحاً في مواقفه، وكأنه عمد الى تحديد بعض نقاط القوة ونقاط الضعف التي تعتري العهد، بما يمكن تشبيهه بأنه بمثابة "نقد بنّاء" لولايته وما يجب انتظاره منه.

في نقاط القوة كان التشديد على فكرة "الاستقلاليّة" في اتخاذ المواقف المهمّة دون ضغط من ايّ بلد شقيق ام صديق، وهو امر يبدو ان عون يهتم به لانه أثاره في الفترة الاخيرة اكثر من مرة، وذلك للتدليل على انه لم يغيّر الصورة التي وضعها في هذا المجال والتي عرفها عنه الجميع واشتهر بها، ولعل العبارة الاكثر وضوحاً في هذا السياق تتمثل بما قاله: "اطمئنوا بأنكم مستقلّون لاني انا من يمثّلكم اليوم". هذه النقطة يعتبرها عون نقطة قوّة وثقل له، وهي اشارة الى انّ من قبله لم يجسد استقلالية القرارات ال​لبنان​ية في الامور المهمة، واتت ايضاً كرد غير مباشر على ما قيل من انه مستهدف في الدفعة المقبلة من العقوبات الاميركية نظراً الى قربه من ​حزب الله​.

قد يكون غياب الحديث عن ​النازحين السوريين​ في "الدردشة" مردّه اما الى غياب السؤال عنهم، او الى عدم ترداد المواقف العديدة التي اعلنها مراراً وتكراراً في هذا الملف، ويعمل عون على اعتبارها من نقاط القوة في عهده، ولكن يبدو ان تنفيذها صعب في المرحلة المنظورة لانّه مرتبط بحسابات سياسية اقليمية ودولية لا يمكن للبنان فرضها بشكل سحري، ولكن لا بد من متابعة المطالبة بها والعمل على الحّد من خطورتها كي لا تتحول، لا سمح الله، الى "قضيّة فلسطينيّة" جديدة. واذا كان هذا الملفّ غير محدّد الجهة لناحية احتسابه في نقاط القوة ام الضعف، فإن الكهرباء والنفايات والخطة الاقتصادية، اضافة الى "اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار" (التي يعلّق عليها رئيس الجمهورية آمالاً كبيرة لتكون بصمة عهده)، هي المواضيع التي يريدها عون نقاط قوة له لذلك اطلق مواقف مطمئنة في هذا المجال وشدّد على انشاء لجان لدرس ومتابعة كل ما يشتكي منه المواطنون. انما رغم ذلك، يرى البعض ان هذه النقاط ستكون على عكس ما يتوقع الرئيس، اي نقاط ضعف لانه لا يمكن انجازها بشكل شفاف ومدروس -على ما يقوله هؤلاء- وان اقصى ما يمكن الوصول اليه في المدى القريب هو تحقيق البعض فقط من هذه الاهداف.

نقطة قوّة اخرى ألمح اليها عون دون ان يشرحها، وهي انه حافظ على استقرار الليرة في عهده، ولم يوافق على السير ببعض الاقتراحات التي كان من شأنها هدّ اسوار الليرة امام الدولار الاميركي، مع كل ما يعنيه ذلك من تداعيات ماليّة ومعيشيّة مأساويّة لكثير من اللبنانيين.

ولكن نقاط الضعف تبدو واضحة في ما قاله عون عن تنفيذ نقاط مؤتمر "سيدر" لانّه قاربه بموضوعيّة، واصبح يعلم ان التأكيد على القدرة على تطبيق هذه الشروط هو امر غير واقعي، وبالتالي يجب العودة الى مقولة "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم"، بحيث يتمّ "تقسيط" هذه الشروط على دفعات مع الاخذ في الاعتبار امكان عدم تحقيق بعضها.

نقطة ضعف اخرى بدت في حديث رئيس الجمهورية وتتعلق بالاستراتيجيّة الدفاعيّة حيث اعتبر ان كل ما وضع حتى اليوم، بما فيها استراتيجيّته التي قدمها على طاولة الحوار السابقة، تحتاج الى اعادة نظر بسبب تغيّر الظروف والمعطيات (يقصد بطبيعة الحال الحرب في سوريا وما اسفر عنها من وضع جديد ميدانياً واستراتيجياً)، وكأنّه اوحى الى انّ هذا القرار لا يمكن الاكتفاء بمقاربته من وجهة النظر اللبنانيّة، خصوصاً بعد دخول روسيا على الخط وتواجدها في سوريا، بما يعني بسط نفوذ لها اضافة الى النفوذ الاميركي، وهو امر لا يمكن التغاضي عنه عند وضع ايّ استراتيجية دفاعية او اياً كانت تسميتها.

يبقى ان نشير الى الحديث عن وزير جبران الخارجيّة باسيل وموقفه من الموضوع، اذ توقع الكثيرون ان يعمد عون اما الى التبروء او الى تقريبه منه اكثر فأكثر، ولكن رئيس الجمهورية جهد في ابقاء التوازن في هذا المجال، فذكّر بمكانة باسيل السياسيّة كرئيس لاكبر كتلة نيابيّة وبأنّه بالتالي لا يمكن لأحد ان يلغيه، كما قصد ان يعتبره كأيّ وزير آخر عند اسداء النصح له دون الضغط عليه، فهل كان باسيل نقطة قوّة لعون ام نقطة صعف؟ المرحلة المقبلة هي الكفيلة بالاجابة على هذا السؤال.