في وقت ينصبّ فيه اهتمام العالم على ما يجري في الخليج وتحديداً في مضيق هرمز حيث تجهد الإدارة الأميركية في السعي الى محاصرة الجمهورية الإسلامية الإيرانية.. لكنها أخفقت لأنها تواجه إيران الثورة التي بنت قوة اقتصادية وعسكرية وامتلكت المعرفة والتقنية والتكنولوجيا النووية بقدرتها الذاتية وتمتلك الإرادة والحزم والجرأة في المواجهة.. في هذا الوقت تشنّ الولايات المتحدة حرباً اقتصادية شرسة على فنزويلا.. وتفرض حصاراً بحرياً محكماً يحول دون وصول السفن التجارية وناقلات النفط إلى موانئها او خروجها منها.. الأمر الذي جعل الوسيلة الوحيدة المتاحة للحصول على حاجات فنزويلا الأساسية من المواد الأساسية لا سيما الدواء.. يتمّ عبر الجو.. من الصين وروسيا وكوبا وغيرها من الدول الرافضة للحصار الأميركي غير الإنساني.. ولأنّ ذلك يتطلب وقتاً ولا يؤمّن كامل ما تحتاج إليه البلاد.. فإنّ معاناة الفنزويليين نتيجة ذلك في ازدياد.. ويضاعف منها عدة عوامل:

العامل الاول: أنّ دول جوار فنزويلا تخضع للهيمنة الأميركية وهي ملتزمة بسياسة الحصار على فنزويلا وهي البرازيل، كولومبيا وغيانا…

العامل الثاني: الحصار البحري البري يحول دون تمكّن الحكومة الفنزويلية من تصدير النفط إلى الخارج والحصول على العملات الصعبة التي تحتاج اليها لاستيراد ما تحتاج إليه البلاد من سلع ومواد حيوية..

العامل الثالث: تجميد او السطو على ودائع فنزويلا من مال وذهب وممتلكات من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا..

العامل الرابع: أنّ فنزويلا ومنذ تحرّرها من سيطرة وهيمنة الولايات المتحدة اثر وصول الرئيس الراحل هوغو تشافيز إلى الحكم في شهر شباط من عام 1999.. ودعوته للتكامل بين دول أميركا اللاتينية سياسياً واقتصادياً ورفض الهيمنة الإستعمارية الأميركية.. لم تعمل على بناء اقتصاد متنوّع يمكن البلاد من تحقيق الاكتفاء الذاتي من احتياجاتها الاساسية من الغذاء والدواء بحيث تكون قادرة على مواجهة ايّ حصار تفرضه الإمبريالية الأميركية على فنزويلا كالذي يحصل هذه الأيام..

ومع أنّ ذلك زاد من الصعوبات التي يعاني منها الشعب الفنزويلي.. الا انه يثبت كلّ يوم بأنه أقوى من الحصار ومصمّم بغالبيته على الالتفاف خلف قيادته برئاسة نيكولاس مادورو في مواجهة العدوان الأميركي الإجرامي الذي يستهدف إعادة إخضاع فنزويلا للهيمنة الأميركية وتغيير نظام الحكم التحرري المستقلّ لمصلحة الإتيان بحكم تابع لأميركا ينفذ استراتيجيتها التي تقوم على فرض السيطرة على ثروات البلاد من نفط وذهب ومعادن ثمينة.. واستطراداً منع حصول تكامل اقتصادي سياسي في الكاريبي يعزز الاتجاه التحرري في عموم دول أميركا اللاتينية.. وبالتالي إعادة تمكين الولايات المتحدة من إخضاع الدول التي تجرّأت على انتهاج سياسات مستقلة عن السياسة الأميركية..

غير أنّ هذا الصمود للشعب الفنزويلي بقيادة الرئيس مادورو والحزب الاشتراكي الحاكم يتطلب خطة تنقل فنزويلا من الدفاع إلى الهجوم في مواجهة هذه الحرب الأميركية.. التي لا تقلّ شراسة عن الحرب العسكرية.. ذلك أنّ أميركا ترى، من وجهة نظرها الاستعمارية، انها تخوض حرباً مصيرية بالنسبة لمستقبل هيمنتها الإمبريالية في أميركا اللاتينية ذلك هزيمتها أمام فنزويلا سوف تعني انهيار هذه الهيمنة لما تشكله فنزويلا المتحررة من هذه الهيمنة من عامل أساسي ومحوري في تحقيق التكامل بين دول أميركا اللاتينية بعيدا عن الهيمنة الأميركية.. ففنزويلا تحوز على الثروات النفطية والغازية الهائلة التي تمكنها من مبادلتها بالسلع من دول الكاريبي التي تحتاج بدورها إلى مادة النفط والغاز لأهميتها في حركة الاقتصاد والخدمات العامة، وقد حققت مثل هذه المبادلة نتيجة مهمة على هذا الصعيد مما كان سبباً في خروج أميركا عن طورها وإقدامها على شنّ الحرب الاقتصادية على هذا النحو الإجرامي ضدّ فنزويلا..

لهذا فإنّ بلورة خطة شاملة للمواجهة انما هو أمر ضروري وحيوي في مواجهة الحرب الاقتصادية الأميركية التي تراهن من خلالها واشنطن على تعب الشعب الفنزويلي لتحقيق هدفها بدفع الفنزويليين الى الابتعاد عن دعم حكم الرئيس مادورو والانحياز الى جانب القوى اليمينية الانقلابية التابعة لواشنطن.. على أنّ هذه الخطة يجب أن تلحظ إلى جانب ما تقوم به الحكومة اليوم من تعزيز التعاون والتنسيق مع الدول الرافضة للهيمنة الأميركية، مثل روسيا والصين وإيران وكوبا وغيرهم.. لكسر الحصار.. وكذلك تمتين العلاقة بين الحكومة والشعب وتبيان أهداف الحصار الأميركي التي تبغي ضرب الإنجازات الهامة التي تحققت بالنسبة لعموم الفنزويليين، ان كان على صعيد الفلاحين في الريف، او الصحة، او السكن وغيرها من القضايا التي تحققت منذ تسلم الرئيس تشافيز مقاليد الحكم في البلاد.. فإنّ المطلوب اضافة الى ذلك العمل على مستويين لتحصين صمود الناس وتمتين الجبهة الداخلية لقطع الطريق على المخطط الأميركي..

مستوى أول: وضع استراتيجية اقتصادية تقوم على التنمية الاقتصادية من زراعة وصناعة بهدف تأمين الاكتفاء الذاتي من الغذاء والدواء.. ومعروف أنّ العديد من الدول التي واجهت الحصار الأميركي الغربي مثل إيران وسورية وكوبا نجحت في تحقيق التنمية وبناء اقتصاد إنتاجي في ظل الحصار.. ما يعني انّ الحصار كان حافزاً مهماً لسلوك استراتيجية التنمية الاقتصادية المستقلة وبناء اقتصاد إنتاجي وفر القدرة على الصمود ومواجهة الضغوط الإملاءات والمخططات الأميركية..

مستوى ثان: حسم الصراع في الداخل مع القوى العميلة والتابعة للغرب الاستعماري والتي تعتبر بالنسبة له بمثابة حصان طروادة للنيل من صمود فنزويلا ومحاولة الإطاحة بنظامها التحرري المستقل من الداخل.. ايّ إسقاط القلعة من الداخل.. وعليه يجب الكفّ عن سياسة مراعاة ما يسمّى المجتمع الدولي.. أو التعايش مع وهم ما يسمّى بالديمقراطية التي تسمح لقوى عملية للإمبريالية والاستعمار الغربي أن تتمتع بالحرية الكاملة التي تمكنها من مواصلة عملها التخريبي والرهان على إحداث تغيير في موازين القوى الداخلي بدعم أميركي غربي للسيطرة على البلاد وإعادتها إلى فلك التبعية للولايات المتحدة..

انها الحرب التي لا ينفع في مواجهتها ايّ تراخ أو تهاون او تردّد.. فالمطلوب الحسم وسلوك الخيارات الراديكالية التي لا تتيح الفرص للقوى الرجعية القدرة على التحرك للنيل من المناعة الوطنية في مواجهة الحرب الأميركية الشرسة التي تستخدم فيها كلّ وسائل الحرب غير المباشرة لأنها أقلّ كلفة على المستعمر الأميركي.. وأكثر أذى على الدولة المستهدفة من قبله.. الأكيد أنّ الأمر لا يتطلب سوى الإرادة الثورية وهذا متوفر في فنزويلا.. فهناك قيادة ثورية تملك الإرادة المستقلة بكلّ تأكيد، ويبقى أن تستفيد من الدروس والتجارب وتأخذ القرار الحاسم باعتماد استراتيجية شاملة للمواجهة تسدّ الثغرات في الداخل التي يستفيد منها المستعمر الأميركي لتحقيق أهدافه…