اشارت صحيفة "التايمز" في مقال بعنوان "مقامرة ​أنغيلا ميركل​ في الهجرة الكبيرة تؤتي ثمارها"، الى أن ملايين المهاجرين الذين قدموا من بلدان عدة اندمجوا في المجتمع الألماني وعوضوا انخفاض معدل المواليد في ​ألمانيا​. ولفتت إلى أن أنغيلا ميركل في الوقت الحاضر تستعد للخروج من الحكومة، وربما يتوقع رئيس الوزراء البريطاني ​بوريس جونسون​ أنه سيلتقي مع ملكة أوروبا غير المتوجه في ​برلين​ اليوم، في الوقت الذي أصبحت ميركل شخصية هامشية على نحو متزايد في عالم ​الاتحاد الأوروبي​، وأنها باتت تنظر للوراء لكل ما حققته ولا تنظر إلى الأمام حيث تغادر عالم السياسة، بحسب وصفه.

واوضحت انه "لا أحد في برلين أو لندن أو ​بروكسل​ يعتقد حقًا أنها لا تزال تتمتع بالنفوذ، أو ربما لديها القدرة على مساعدة ​بريطانيا​ في موضوع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست". فهي، بحسب منتقديها اليمينيين، مرتبكة من تعالي النبرة القومية حولها لكنها لا يجب أن تلوم سوى نفسها". واعتبرت ان السبب في ذلك كلة إلى فتحها باب بلدها على مصراعيه لأكثر من مليون مهاجر ولاجئ قبل أربع سنوات، مغيرة بذلك الخريطة السياسية للهوية الوطنية في أوروبا وما بعدها.

ولفتت الصحيفة البريطانية الى أن تدفق اللاجئين لألمانيا، والشعور بالقلق الشديد بشأن عدم وجود ضمانات ضد الأجانب والجدد كانت هي الدافع لظهور الشعبويين المتشددين في أوروبا من السويد وحتى إيطاليا، كما كانت أحد أهم أسباب البريكست وفوز ​دونالد ترامب​ ب​الرئاسة الأميركية​.

وبالنسبة لميركل، بالنسبة للصحيفة البريطانية، فإن الثمن السياسي الذي دفعته هو صعود حزب البديل اليميني المتطرف عام 2017، والذي من المتوقع أن يحصد أغلب المقاعد في شرق ألمانيا في ​الانتخابات البلدية​ هذا الخريف. وبهذا يكون عهد ما بعد ميركل (انتخابات 2021) قد بدأ الآن، بحسب المقال، وأنها سوف تلام على ألمانيا "المريضة" ذات الاقتصاد المتعثر وفقدان دورها الريادي في أوروبا للرئيس الفرنسي ​إيمانويل ماكرون​، وإخفاقها في اختيار خلف لها، وعلى رأس ذلك كله دعوتها للهاربين من الحروب إلى بلادها.

لكن في الجهة المقابلة، رأت الصحيفة أن إحصاءات سوق العمل في ألمانيا لا تبرر الافتراضات السياسية للوبي المناهض للهجرة. إذ أن أكثر من ثلث المهاجرين، الذين قدموا من 7 دول أساسية هي العراق وسوريا والصومال وإيران وباكستان وإرتيريا وأفغانستان، لديهم وظائف رسمية ويدفعون الضرائب. ويعتقد أرباب العمل أن عدد الموظفين من اللاجئين سيرتفع إذا لم يحصل ركود اقتصادي، ويشير المقال إلى أنه لا توجد أدلة تثبت أنهم يسرقون فرص العمل من المواطنين الألمان أو أنهم يمتصون الاقتصاد الألماني بالعيش على نظام التأمين الاجتماعي. لكن على العكس، فإن المهاجرين أصبحوا جزءا من القوة العاملة واندمجوا مع زملائهم الألمان، والسبب في ذلك يعود لثلاثة أمور، أولها: صغر سنهم وقدرتهم البدنية ومستوى تعليمهم الجيد، حيث أن 42% منهم حاصلون على التعليم الإعدادي على الأقل. ثاني هذه الأمور هو أن نظام التعليم والتدريب واللغة الألمانية الذي اتبعوه جعلهم مؤهلين للخروج مباشرة إلى سوق العمل، وثالثها حاجة سوق العمل إليهم.

ولفتت الى إن "إرث ميركل الحقيقي قد يكون هو أنها وضعت معيارًا للاندماج الناجح". وإذا أثبت نجاعته بالنسبة لها ولبلدها فإنها ستكون قد أجابت وبنجاح ولو جزئيا عن السؤال الذي يؤرق المشرع الألماني لعقود، وهو كيف يرفع معدل المواليد في البلد.

ونقلت الصحيفة عن ديتر زيتشه رئيس مجموعة دايملر الألمانية العملاقة في صناعة السيارات والمحركات قوله عندما فتحت ألمانيا أبوابها للاجئين إنهم "أساس معجزة الاقتصاد الألماني القادمة"، ولعله كان مستعجلا في حكمه هذا، بحسب الصحيفة، مع وجود مخاوف من الأجانب لدى حزب البديل من أنهم قد يربكون الحياة العامة للألمان. لكن هذا لم يحدث حتى الأن، ومقامرة ميركل بدأت تؤتي ثمارها. لكن ماذا لو بدأ الاقتصاد الألماني يعاني من الركود وبدأ التنافس الوظيفي يأخذ حيزا كبيرا، هل ستعود عبارة "اللاجئين يسرقون وظائفنا"؟ وما هو الثمن الاجتماعي لذلك؟