لا، لم تُلق "​اسرائيل​" المناشير فوق الجنوب، لأنّ الصور التي انتشرت على وسائل التواصل تعود الى العام 2006، وأيضا لم تُصدر ​السفارة الاميركية​ في ​لبنان​ بيانات تحذير لرعاياها، ولا، لم ينقل أيّ وسيط رسالة "اسرائيليّة" الى الحكومة اللبنانيّة، وتكثر "اللاءات" في زمن الإشاعات التي ستكون أبرز مسبّب للقلق في هذه المرحلة.

تعتبر الشائعات من أبرز الوسائل التي تستخدم في الحرب النفسيّة بين الأعداء، لكن اللافت اليوم هو أنّ بعض اللبنانيين يمارسون هذه الحرب ضدّ أنفسهم، الأمر الذي تطرح حوله الكثير من علامات الإستفهام، نظراً إلى أن المطلوب في مثل هذه الأوقات التعامل بمسؤولية مع أيّ خبر من هنا أو هناك.

واللافت والمؤسف في نفس الوقت، أن بعض الوسائل الإعلاميّة تقع في هذا الخطأ، بسبب رغبتها في تحقيق سبق إعلامي دون مراعاة للمصلحة الوطنيّة، التي تقتضي منها التروّي والتأكّد مما تنشره، وهو ما تكرّر في أكثر من مناسبة في السنوات الماضية، حيث من المفترض أن لديها خبرة في التعامل مع أي خبر.

بعيدا عن الوضع الحالي أمنياً وعسكرياً، كان اللبنانيون طوال الفترة الماضية ضحيّة الشائعات التي كان أغلب مصدرها ​مواقع التواصل الإجتماعي​ وبعض وسائل الإعلام. منذ عامين انطلقت الشائعات لضرب البحر اللبناني. حينها، ظنّ الكثيرون أنّ البحر لم يعد صالحاً في أيّ منطقة للسباحة. ومؤخراً، عادت الشائعات لتطال القطاع المالي وسعر صرف الليرة. لكن ذروة هذه الشائعات الإقتصاديّة كانت على مرحلتين: الأولى في موضوع تصنيف لبنان المالي، والذي ظهر في ما بعد حجم هذا الكذب، والثانية عند دراسة ​الموازنة​ في ​مجلس الوزراء​، انتشرت أخبار وتحليلات بأنها ستطال رواتب الفقراء والموظفين، وفيها الحسومات على التقديمات. لم تكن هذه الأخبار صحيحة، إلا أنّ المشكلة أنّها تسببت بزعزعة الأمن لدى المواطن. أما اليوم، فكمّ الإشاعات التي يطلقها البعض على صعيد المواجهة بين ​حزب الله​ واسرائيل فتقوم بالعمل نفسه وهو ضرب الإستقرار النفسي لدى اللبناني.

في خطابه الأخير، نجح أمين عام "حزب الله" ​السيد حسن نصر الله​ في تسجيل هدف في المرمى الإسرائيلي، على مستوى الحرب النفسيّة، لا سيّما من خلال عبارة "على اجر ونص" التي أطلقها، وهو على الأكيد اختار التعامل مع هذا الحدث بكلمات مدروسة، والجميع يدرك اليوم أنّ الحزب سيردّ على الإعتداءين الإسرائيليين في التوقيت الذي يختاره، إلا أن الأكيد أن قيادة الحزب لن تبلغ بعض المجموعات على مواقع التواصل الإجتماعي بذلك قبل حصوله، وبالتالي ليس هناك ما يستدعي التفاعل مع الشائعات التي تروّجها تلك المجموعات، والتي باتت مزعجة إلى حد بعيد، وتخلق البلبلة والقلق لدى الناس، خصوصا أن الجمهور الذي ينتظر "الردّ" قابل لتصديق كل شائعة تظهر أمامه.

اما بالنسبة للإشاعات التي تتناقلها وسائل اعلامية، ومواقع اخباريّة وشبكات فالأمر مختلف، خصوصا أن مسؤولية هؤلاء كبيرة جدا تجاه الجمهور. وفي هذا الإطار ترى الزميلة في القناة الفرنسيّة "فرانس 24"، والتي تضمّ قسم مراقبين لتوثيق المعلومات، في تجربة مماثلة لقنوات عالمية كالـ"CNN"، كارمن جوخادار ان "التأكد من المعلومة هو الواجب الاول الذي يقع على عاتق اي صحافي"، مشيرة في حديث لـ"النشرة" الى أنّها تتابع المعلومات مع المصادر وتقاطعها، ولا تنقل أي معلومة غير مؤكّدة ومثبتة، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بملفات حسّاسة. وتضيف: "لا يحقّ للصحافي أو المراسل أن يحلّل أو يضع نظريّات أو احتمالات، وخاصة في أوضاع دقيقة تتطلّب مستوى عالٍ من المسؤوليّة والمهنيّة، والاهم ألاّ نتحول الى متحدثين أو ناطقين باسم جهة، بل نقوم بواجبنا بنقل الخبر الدقيق فقط".

وفي سياق متّصل يرى الزميل في "الميادين" محمد محسن ان انتشار الإشاعات عادة ما يتزامن ويتزايد في فترات التوتر والأزمات، وفي هذه الحالة تبرز الحاجة الى المسؤوليّة الفرديّة، بمعنى عدم نشر أيّ خبر او تداوله ما لم يكن صحيحا وموثوقا، أيّ من مصدر موثوق كوسائل الاعلام المشهود بمهنيّتها وحرفيّتها، او الصحافيين المشهود بمهنيّتهم عبر حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

ويضيف محسن في حديث لـ"النشرة": "المشكلة هنا في التصنيف لدى الجمهور. من هو المصدر الموثوق؟ بأي حال من الأحوال لا يمكن اعتبار حسابات السوشال ميديا أو ​المواقع الالكترونية​ "الفوضوية" مصادر موثوقة للأخبار، مشيرا أيضا الى أن أحد أهم اسباب انتشار الإشاعة هو غياب الخبر الواضح، لذلك فإن تواجد هذا "الخبر" يبدد كل الاشاعات ويعيد التوازن الطبيعي والصحيح لحركة تناقل الاخبار.

خلال جلسة مع أحد المسؤولين الكبار في محطة "CNN" في أميركا قال بأنّ "دقّة" الخبر أهم من سرعته، لأنّ استمرار الدقّة يخلق جمهورا للقناة، وهذا الجمهور لن يهتم بعدها لأخبار هنا وهناك بل سيتابع المحطّة لانتظار الخبر الذي يعلم مدى دقّته.

في لبنان تعتبر "الإشاعة" العدوّ الأول لكل لبناني، لذلك فإن محاربتها باتت واجبة علينا كإعلام، وكناشطين على مواقع التواصل.