ما يقوم به ​نتنياهو​ نتيجة «نقزة» ​تل أبيب​ من إمكانية نجاح المساعي لفتح قنوات تواصل أميركية- إيرانية

لا يختلف إثنان على وصف ما جرى في ​الضاحية الجنوبية​ من عدوان ​إسرائيل​ي بواسطة طيارتين مسيرتين، بأنه تطوّر خطير من شأنه ان يُشرِّع الأبواب على الكثير من الاحتمالات.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه حيال هذا التطور، وما تلاه من مواقف نارية للأمين العام ل​حزب الله​ السيّد ​حسن نصر الله​، هل ان ما حصل يُمكن ان يؤدي إلى اشتعال الجبهة الجنوبية، وبالتالي اندلاع حرب شبيهة بتلك التي حصلت في تموز من العام 2006؟

ما من شك ان المنطقة برمتها تتقلب على صفيح ساخن نتيجة الاشتباك الإقليمي والدولي حول المصالح والنفوذ، غير ان المؤشرات لا تدل على إمكانية ان تتطور الأمور إلى حرب واسعة، وأن هناك حرصاً من غالبية الدول المعنية على إبقاء المشهد الموجود حالياً مضبوط الإيقاع، لعلم الجميع بأن إنفلات الأمور من عقالها لا يعني فقط اندلاع حرب واسعة بل قيامة القيامة بكل ما للكلمة من معنى، وأن مخلفات ذلك ستكون تدميرية.

وما يُعزّز هذا الاعتقاد الخرق الذي أحدثه الرئيس الفرنسي في جدار الأزمة الاميركية- الإيرانية والذي من شأنه تبريد الأجواء تمهيداً لعودة لغة الحوار بين الجانبين، إما مباشرة أو عبر وسيط،وهذا إن حصل من شأنه ان يقلب المشهد رأساً على عقب حيث انه من المسلّم به بأن الجانبين الأميركي والإيراني لكل منهما تأثيره في الملفات المفتوحة في المنطقة وعلى وجه الخصوص في ​اليمن​ و​العراق​ و​سوريا​، و​لبنان​ أيضاً ليس بعيداً عن ذلك.

إنطلاقاً من هذه المعطيات المستجدة فإن احتمال الحرب الواسعة بين «حزب الله» وإسرائيل ليس أوانها أقله في الوقت الراهن، لكن ذلك لا يُسقط من الحسابات حصول العمليات الأمنية بين الطرفين حيث أن «حزب الله» ليس في وارد السكوت عمّا جرى وهو ما زال في طور درس وتحليل ما جرى وما كانت إسرائيل تنوي القيام به، وما ان يفرغ من ذلك فإنه سيبني على الشيء مقتضاه بالشكل الذي يرد فيه الصاع صاعين على تل أبيب مع احتفاظه بهذا الحق وتحديد المكان والزمان حتى لا تظهر ​القيادة​ الإسرائيلية نفسها بمظهر المنتصر القادر على تغيير قواعد اللعبة، وهذا الرد للحزب ليس مستبعداً ان يتم قبل موعد ​الانتخابات​ الإسرائيلية في السابع عشر من أيلول المقبل بغية قطع الطريق على نتنياهو من الظهور امام الرأي العام الإسرائيلي بأنه القادر على الإمساك بزمام الأمور في رسم المعادلات في المنطقة، ومن ناحية ثانية تثبيت «حزب الله» معادلة جديدة تقوم على ان الطائرة المسيَّرة مقابل الطائرة المسيرة والصاروخ بالصاروخ، وذلك على غرار المعادلات التي أرساها في السابق والتي كان أبرزها تل أبيب مقابل ​بيروت​.

في هذا السياق، تؤكد مصادر متابعة على أن ردّ «حزب الله» على ما جرى في الضاحية آتٍ لا محالة لكن في مقابل ذلك فإن الخوف من اندلاع حرب واسعة غير مبرر في الوقت الراهن لأن أي عدوان إسرائيلي كبير يحتاج إلى ​الضوء​ الأخضر الأميركي وهذا الضوء غير موجود كون ان ​الولايات المتحدة الأميركية​ وبالرغم من العداء الشرس الذي تضمره لحزب الله الذي تعتبره أبرز العقبات التي تحول دون تحقيق مشروعها في المنطقة، فإنها ما تزال على موقفها الداعم لاستقرار لبنان، وهي من هذا المنطلق تحرّكت بشكل عاجل في أعقاب العملية الإسرائيلية في حيّ ماضي احد احياء الضاحية إلى الدعوة لضبط النفس وهي طلبت من دول عدّة وفي مقدمها ​فرنسا​ للتحرك في سبيل تحقيق هذا الهدف.

وتشدد المصادر على ان قيادة «حزب الله» التي تتعامل مع أي حدث من هذا النوع ببرودة اعصاب بعيداً عن أي قرار عشوائي غير مدروس ومعروف النتائج، لن تُقدم على أي عمل غير محسوب من شأنه ان يُدخل المنطقة في آتون الحروب المدمرة، وهي تعكف الآن بالتأكيد على وضع السيناريوهات التي تحقق لها الغاية في منع إسرائيل من الاقدام ثانية على القيام بعمل شبيه بما حصل في الضاحية، وهذا يعني ان هناك معادلة جديدة سترسيها ​المقاومة​ على مستوى الجو بعد المعادلات التي نجحت في ارسائها على مستوى البر والبحر، وذلك على قاعدة العين بالعين، والسن بالسن والبادي أظلم، وهذا ما ألمح إليه السيّد نصر الله في خطابه حيث أكّد بأن الحزب لن يسمح لإسرائيل بالقيام بما تقوم به في العراق على مستوى ضرب أهداف عبر الطائرات المسيّرة.

وتلفت المصادر النظر إلى ان التجارب السابقة تؤكد بأن المقاومة لا يُمكن ان تنام على ضيم، وبالتالي فإن ردها سيكون مدوياً على المستوى الإسرائيلي وهذا الرد ليس بالضرورة سيكون سريعاً، فهي ستأخذ وقتها في تحديد المكان والزمان الذي ستوجه فيه الضربة المؤلمة لتل أبيب والتي ستكون على مستوى ما حصل في الضاحية أو ربما أكبر بكثير وفق توقيت تضعه المقاومة، وهذا بالتأكيد ما سيجعل إسرائيل جيشآً وشعباً يعيشان هاجس الخوف والتوتر إلى أن تقع الواقعة.

وفي تقدير هذه المصادر ان «حزب الله» ليس في وارد التغاضي عمّا جرى في الضاحية، أو في وارد الرضوخ لأية ضغوط مهما كان نوعها، وهو بالتالي سيكون دقيقاً في اختيار الأهداف التي سيضربها رداً على ما حصل وسيأخذ وقته في ذلك بحيث تأتي النتيجة مشابهة لما حصل في «حي ماضي».

وتعتبر هذه المصادر ان ما يُمكن ان يحصل بين إسرائيل و«حزب الله» أكثر من اشتباك وأقل من حرب، عازية سبب ما أقدمت عليه إسرائيل إلى خوف نتنياهو من قنوات التواصل الموجودة بإتجاه تحقيق اتفاق اميركي- إيراني جديد تكون إسرائيل خارجه، وفي نفس الوقت يبقى الخطر الذي تهابه تل أبيب قائماً.