تحت ستار الحسّ الإنساني والتعاطف الإجتماعي، يُواصل بعض المسؤولين في ​لبنان​ تجاهل إحدى أخطر المشاكل التي تُهدّد توازن المُجتمع اللبناني من مُختلف النواحي، بدءًا بالعوامل الإقتصاديّة وُصولاً إلى العوامل الديمغرافيّة. فكُلّما حاول جزء من السُلطة الرسميّة الضغط لحلّ مُشكلة ​النازحين​ السُوريّين، قُوبلت جُهوده بلامبالاة من جزء آخر من السُلطة وحتى بإعتراض وبعرقلة في بعض الأحيان، لإعتبارات بخلفيّات سياسيّة إقليميّة في أغلب الأحيان، وذلك من دون التوقّف عند الإنعكاسات السلبيّة على لبنان.

وبالأمس، ومن ضُمن البُنود التي تناولها ​مجلس الوزراء​، وأقرّها، بند حمل الرقم 22 في جدول الأعمال، وهو بشأن "طلب وزارة الداخليّة والبلديّات تمديد تسجيل المواليد السُوريّين على الأراضي اللبنانيّة الذين تجاوزوا السنة من العمر"، علمًا أنّ هذا البند يأتي إستكمالاً لمُوافقة مجلس الوزراء في الثامن من شباط من العام 2018 الماضي(1)، على إقتراح مُماثل كان قد رفعه وزير الداخليّة والبلديات السابق ​نهاد المشنوق​. والمُدافعون عن هذا القرار يعتبرون أنّه يصبّ في خانة تنظيم الوُجود السُوري في لبنان، والتوصّل إلى إحصاءات دقيقة عنه، عبر تشجيع النازحين السوريّين على تسجيل أولادهم، بدون الدُخول في متاهة قانونية ومالية، في حين أنّ مُنتقدي القرار يعتبرونه إجراءً مُتساهلاً آخر يُشجّعهم على مُخالفة القوانين اللبنانيّة أكثر فأكثر، وعلى التعامل بإستخفاف مع موضوع ديمغرافي حسّاس جدًا. إشارة إلى أنّه بحسب قوانين الأحوال الشخصيّة، على النازحين السُوريّين الذين يملكون إقامات شرعيّة بطبيعة الحال، تسجيل مواليدهم في دوائر "وُقوعات الأجانب"، قبل بلوغ هؤلاء المواليد عُمر السنة. أمّا في حال تجاوز هذه المهلة التي تُعتبر أكثر من منطقية، فعندها على الوالد المعني رفع دعوى أمام قاضي الأحوال الشخصيّة، وتقديم مُستندات مُرفقة بإفادة صادرة عن الأمن العام، تُثبت حُدوث الولادة وأخرى تُثبت أبوّته للطفل عبر إجراء فحص الحمض النووي في مُستشفى بيروت الحكومي حصرًا، وعلى نفقته الخاصة.

في الأرقام الرسميّة التابعة للمُفوضيّة العليا لشؤون اللاجئين، فإنّ عدد الولادات في صُفوف النازحين السُوريّين في لبنان، بلغ نحو 188000 مَولود بين الأوّل من كانون الثاني 2011 ونهاية حزيران 2019، إلا أنّ الرقم الفعلي هو أكبر من ذلك بكثير. وعلى الرغم من كل التسهيلات التي قدّمتها السُلطات اللبنانيّة الرسميّة، لم يتجاوز عدد الذين تقدّموا إلى دوائر "وُقوعات الأجانب" في العام 2018 ما نسبته 21 % من إجمالي هذه الولادات. ومن الضروري الإشارة إلى أن أيّ طفل لم يستحصل أهله على وثيقة تسجيل الولادة، لا يُسمح له بالعودة إلى ​سوريا​، لأنّ السُلطات السُوريّة تُطالب بوثيقة تؤكّد أنّ الطفل المَعني هو من والد سُوري، لتوفّر له الدَخول بشكل قانوني إليها، وبالتالي الإستحصال على الجنسيّة السُوريّة! والمُشكلة الثانية أنّ الكثير من السُوريين المُقيمين في لبنان، ما زالوا حتى تاريخه يتهرّبون من شرعنة إقاماتهم، الأمر الذي يعني تلقائيًا عدم قدرتهم على تسجيل أولادهم، حتى لو رغبوا بذلك.

والنتيجة السلبيّة لكل ما سبق أنّ مئات آلاف الأطفال من أبناء السُوريّين عالقون في لبنان، وهم يعيشون فيه ويكبرون فيه، علمًا أنّه لا يملكون لا هويّة ولا جنسيّة، بسبب إهمال من جانب أهلهم بالدرجة الأولى، وبنتيجة تساهل لبناني إزاءهم بالدرجة الثانية. وفي الوقت الذي يبلغ مُعدّل ولادات الأطفال اللبنانيّين نحو 60000 مَولود جديد سنويًا، فإنّ عدد ولادات الأطفال من أبناء السوريّين في لبنان مُقدّر بما بين 40000 و45000 طفل سنويًا، يتمّ تسجيل ربعهم في الدوائر المَطلوبة، أو ثلثهم في أفضل الأحوال!.

في الختام، علاج مُشكلة النازحين السُوريّين في لبنان لا يُمكن أن يتمّ من دون تطبيق القوانين بشكل حازم، حيث يجب ترحيل أي سُوري لا يملك إقامة شرعيّة بشكل فوري، ويجب منع أي نازح سوري عن العمل ما لم يكن يملك رخصة عمل قانونيّة مع تحديد لائحة بهذه المهن منعًا للإستمرار في ضرب اليد العاملة اللبنانيّة، ويجب وقف التسهيلات المَمنوحة للنازحين السوريّين بشأن تسجيل الولادات الكثيرة التي تحصل في لبنان، والتي يستغلّها هؤلاء للتمادي في التهرّب من أقلّ واجباتهم القانونيّة والأخلاقيّة تجاه الوطن الذي يستضيفهم، وتجاه الأطفال الذين يأتون بهم إلى هذه الحياة!.