اعتبر رئيس حزب ​القوات اللبنانية​ ​سمير جعجع​ في كلمة له خلال قداس "شهداء المقاومة اللبنانية" انه "لولا شهداء القوات اللبنانية لما كنا هنا الآن ولا كانت ​معراب​ ولا كانت ​بعبدا​ ولا كانت دولة ونحن هنا بالعرق والدم والنضال والاندفاع والعزم والحزم والمثابرة و​الثبات​ والاستقامة والتضحية حتى بذل الذات"، مشيرا الى ان " غيرنا يأتي من حيث لا ندري ومن حيث الصدف والظروف ومن ثم يرحل أما نحن فدائما وابدا هنا في السراء والضراء".

ولفت جعجع الى ان "حضورنا السياسي على الأرض أو في أي موقع مسؤوليةٍ نتولاه ليس منةً إلا من دماء شهدائنا وعرق مناضلينا"، مؤكدا اننا "أقدمنا على خطوة انتخاب العماد ​ميشال عون​ رئيساً للجمهورية على الرغم من الخصام التاريخي الذي كان قائماً بيننا لأسبابٍ وجيهةٍ وحيوية وهي وضع حد للفراغ الرئاسي المتمادي الذي كاد يفكك ​الدولة​ وتأمين التوازن الفعلي في ​المؤسسات الدستورية​ بوجود رئيسٍ يتمتع بصفةٍ تمثيلية وتحقيق مصالحة تاريخية بين القوات والتيار من خلال تفاهم معراب الذي هو كناية عن اتفاق شراكة حقيقية بين أكبر حزبين مسيحيين، مثلما يجري بين أعرق الأحزاب الديمقراطية في العالم كله وليس اتفاقاً لتقاسم الحصص كما يحلو للبعض وصفه"، معتبرا انه " تم الانقضاض على اتفاق معراب والتنكر له والتنصل من موجباته وكأن الطرف الآخر اراده لمجرد الوصول إلى الرئاسة ومن بعدها فليكن الطوفان"، مضيفا: "لو أن الفريق الآخر تنصل فقط من اتفاق الشراكة السياسية بينه وبين القوات لكان الأمر مفهوماً في إطار الجشع السياسي وحب التفرد بالسلطة والاحتكار ولكنه تنصل أيضاً من ورقة النقاط العشر التي تليت أمام الرأي العام والإعلام في معراب وبحضور الفريقين والتي تعنى مباشرةً وبشكلٍ واضحٍ وصريحٍ بقيام الدولة السيدة القوية القادرة المسؤولة وحدها عن مصير شعبها".

وراى جعجع أن "المؤسف اشد الأسف أن العهد الذي أردناه وما زلنا عهد استعادة الدولة من الدويلة عهد بحبوحةٍ وازدهارٍ لم يكن حتى اليوم على قدر كل هذه الآمال إن لم نقل أكثر"، معتبرا ان "الدولة القوية التي أردنا قيامها من خلال هذا العهد باتت اليوم تخسر أكثر فأكثر من رصيدها ومقومات وجودها في شتى المجالات والميادين، فأنياب الدويلة بارزةٌ أكثر من اي وقتٍ مضى وأركان الدولة بالذات يمالئون الدويلة ويغسلون أيديهم من الدولة"، مضيفا:"كأني والحال هكذا بالدولة اللبنانية تصرخ عاليا: من بيت أبي ضربت، إذا كان رب البيت لا يريد ان يبني فعبثاً يحاول البناؤون".

وشدد جعجع على ان "صحيحٌ أن واقع لبنان المتأزم لا ينفصل عن واقع المنطقة من حروبٍ وتجاذباتٍ إقليميةٍ ودولية، لكن لا يمكن للبعض أن يضع الحق دائماً على "الطليان" لتبرير عدم قيام دولةٍ فعليةٍ في لبنان أو لتبرير انخراطه في عمليات الهدر والفساد".

وتوجه جعجع الى القواتيين بالقول:"أنتم قررتم أن تكونوا قواتاً بكل إرادةٍ حرة حتى تعطوا لا حتى تأخذوا وحتى تكونوا حراس هيكل ​الجمهورية​ لا أن تكونوا تجار هيكلها وحتى تكونوا القدوة والنخبة لا أن تكونوا الذل والعار"، مضيفا:"القوات لا تجلب لكل واحدٍ منكم سمكة ولكنها تسعى لتوفير صنارة لكل لبناني على الإطلاق".

وأكد جعجع أن "محاولات عزل ومحاصرة القوات من الأقربين والأبعدين ليست جديدةً علينا بل هي ملازمةٌ لمسيرتنا التاريخية"، مشددا على أن "أغلى ما تملكه القوات في رصيدها الوطني بالإضافة إلى إرث الشهداء والمصابين والمخفيين قسراً في سجون الأسد هو كرامتها وكلمتها وواجبها واستقامتها ومصداقيتها تجاه شعبها ونفسها ولن تفرط بهذا الرصيد أمام اي شيءٍ او اي ٍكان"، لافتا الى انهم "لن ينالوا منا حاول قبلهم كثيرون وفشلوا والذين يحاولون اليوم فاشلون أصلاً كلما حاولوا إضعافنا ومحاصرتنا في السلطة تعلق الشعب بنا أضعافاً مضاعفة".

واشار الى ان "من جرب محاصرة القوات وإقصاءها من جديدٍ كان جاهلاً بالتاريخ وهو كذلك، وصحيحٌ أن بعض أرانب ال​سياسة​ اليوم تتوهم بأنها تسابق القوات بمجرد انها تقفز يميناً ويساراً وتصدر الأصوات والضوضاء وتركض سريعاً امامنا وتخلف على دربنا الحصى وتثير الغبار لكنها مهما ركضت وقفزت وافتعلت بهلوانياتٍ تبقى مجرد ارانب وتبقى القوات هي الأساس"، معتبرا ان "ادعاء البعض بأنه يعمل لتحقيق الشراكة المسيحية الكاملة في الدولة هو ادعاء حق يراد به باطل".

وراى جعجع أن "الضنين بتحقيق الشراكة المسيحية في السلطة لا يسعى لتهميش جميع المسيحيين الذين لا يدينون له بالولاء، ويحرمهم حتى فرصة المنافسة الشريفة وتحقيق الشراكة لا يكون بتزكية مبيضي الوجوه والانتهازيين الصغار في الدولة لاننا بالنهاية سنعود وندفع كمسيحيين وكلبنانيين ثمن ادارة فاشلة فاسدة كما ثمن التفرد والاستنسابية في الاختيار"، مشددا على ان "تأمين التوازن في الدولة لا يكون بدعم سلاحٍ خارج الدولة والاستقواء به على باقي المسيحيين واللبنانيين".

ولفتت جعجع الى اننا "حافظنا على الشرعية عندما دق الخطر على ابواب الدولة وهم وبكل بؤسٍ ووقاحة يسخرون الشرعية لخدمة الدويلة في زمن قيام الدولة"، مضيفا :"نحن "لبطنا الكراسي" بأقدامنا مراتٍ ومرات حتى لا نساوم على مبدأٍ وقضية وهم بروا أقدامهم وعفروا جباههم من أجل الكراسي".

وسأل جعجع:" لماذا وصلنا إلى ما وصلنا اليه؟ مجموعةٌ من الأسباب أهمها أن المواطن اللبناني محرومٌ وممنوعٌ من الوصول الى دولةٍ فعليةٍ تحقق له تطلعاته بحكم وجود دويلةٍ داخل الدولة، دويلةٌ تصادر القرار الاستراتيجي وتقيم اقتصاداً موازياً ولا تتورع عن استخدام وسائل عنفيةٍ مدانةٍ لمحاولة تطويع معارضيها وكم أفواههم"، معتبرا ان "من اسباب التدهور ايضاً هو القصور في إدارة الدولة والعقلية الزبائنية التي تحكمت بها فتحولت مؤسسات الدولة وإداراتها إلى مكاتب انتخابيةٍ للبعض وسبب اضافي استجد لتدهور الدولة وهو أن بعض الجماعات التي كانت تنتقد كل الممارسات الشاذة داخل الدولة من سرقةٍ وهدرٍ وفسادٍ ومحسوبيةٍ وتوريثٍ وعائلية، أصبحت هي نفسها عندما وصلت الى السلطة الشريك الأساسي والمضارب في هذه الممارسات كلها".

وأكد جعجع أن "كل الوزارات التي تولتها القوات اللبنانية تحولت إلى حجر الزاوية في بناء دولة القانون والمؤسسات والمثال الأكثر حداثةً على ذلك تمثل بوزارة العمل التي كانت وزارةً يتهرب منها الجميع وعُيرنا لقبولنا بها ولكنها مع القوات تحولت في فترةٍ قياسية إلى وزارةٍ أساسيةٍ تخطف الأضواء وتستقطب الإعلام وتتحدد منها معايير القرارات السيادية على الرغم من المحاذير والمطبات والمخاطر والعراقيل التي حاول البعض وضعها أمام تدابير الوزارة"، مضيفا:"انتظم العمل بوزارة العمل بسرعة قياسية بعد طول فوضى وفساد، واتى قرارٌ واحد اتخذته الوزارة، أمن آلاف فرص العمل للبنانيين، وأعاد للدولة اللبنانية هيبتها ووضع وزارة العمل في مصاف الوزارات الأساسية وشكل نموذجاً متطوراً للعمل الوزاري السليم، ولن نتراجع عنه مهما كانت الضغوط".

ورأى جعجع أن "التزام لبنان الصراع العربي الاسرائيلي هو امرٌ مسلمٌ به انطلاقاً من إيماننا بعدالة القضية الفلسطينية من جهةٍ ومن مبدأ التضامن العربي ووجود لبنان ضمن جامعة الدول العربية من جهةٍ ثانية ولكن لا نفهم وفق اي أسسٍ ومعايير يريد أحد الافرقاء اللبنانيين اليوم الزج بلبنان وشعبه في أتون المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران؟ فمن غير المسموح أن يفرض على اللبنانيين أمرٌ واقعٌ بهذه الخطورة ليسوا معنيين به بالأساس"، متسائلا:"ماذا يمكن للبنان أن يغير أصلاً في مجرى مواجهةٍ بهذه الضخامة في حال تم جره الى أتونها سوى أن يتلقى الضربات من كل الاتجاهات ويدفع ابناؤه الأثمان الباهظة من أرواحهم وممتلكاتهم ومستقبل أولادهم ومن غير المقبول أن يوضع لبنان أمام احتمال حربٍ مدمرة لا ناقة له فيها ولا جمل".

وسأل جعجع:"ماذا يبقى أصلاً من هيبة الدولة ومن مقومات العهد القوي، إذا كان القرار الاستراتيجي الأول والأخير في يد افرقاء خارج مؤسسات الدولة، والدولة تبصم وتمشي"، معتبرا ان "الحكم الحقيقي هو استباقٌ ودرايةٌ وتجنيب المواطنين الويلات والشرور وليس حفل زجلٍ ينتهي وهكذا علمنا التاريخ بتراجيديا إغريقيةٍ لا يعود الندم ينفع معها".

ودعا جعجع "رئيس الجمهورية الى اتخاذ موقفٍ واضحٍ وحاسمٍ وشفافٍ من هذه المسألة التي لا تحتمل المزايدات وطرح الموضوع على مجلس الوزراء بالتوازي مع توجيه رسالةٍ الى مجلس النواب يضع الجميع فيها أمام مسؤولياتهم"، مضيفا: "إذا كان رئيس البلاد قد وجه رسالةً الى مجلس النواب من اجل مجموعةٍ من الموظفين، فكيف بالحري إن تعلق الأمر بأرزاق ملايين اللبنانيين؟".