لا يزال الاستغراب مما يمكن وصفه بـ"انسجام" رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ مع ​حزب الله​ بموضوع التطور الأخير الذي تمثل بخرق ​اسرائيل​ الضاحية الجنوبية لبيروت، سيد الموقف لدى حلفاء رئيس "المستقبل" كما لدى أخصامه سواء في الداخل اللبناني او في الخارج. فالزعيم الشاب العائد حديثا من واشنطن بعد سلسلة اجتماعات كان أبرزها الاجتماع الخاص مع رئيس الدبلوماسيّة الأميركية مايك بومبيو، يظهر حاليا للمراقب من بعيد، وكأنه بموقع المنقلب سريعا على حلفه وصداقته مع الاميركيين. فاذا كان تحميله اسرائيل مسؤولية خرق القرار 1701 بارسال طائرتين مسيّرتين الى الضاحية الجنوبية لبيروت أمر متوقع من رئيس الحكومة، الا ان ما يعتبره البعض "رضوخ" الحريري لحتميّة رد حزب الله دون اي تنسيق مع الدولة اللبنانية في حجم هذا الرد وشكله وتوقيته، هو الذي يشكل كل الفرق في المرحلة الراهنة، ويطرح أكثر من علامة استفهام حول الخلفيات التي دفعته لتبني سياسة مماثلة... وتكثر التحليلات في هذا المجال غير المبنيّة في معظمها على معلومات دقيقة، وان كان بعضها منطقي تماما ما يجعله أقرب الى الواقعيّة. وتضع مصادر "​التيار الوطني الحر​" الموقف الرسمي اللبناني الموحد والذي عبّر عنه ​المجلس الاعلى للدفاع​ كما الحكومة وان قد خرقته بعض الاعتراضات القوّاتية المحدودة، "في اطار حسن قيادة الرئيس ميشال عون للحدث والمرحلة، فكونه السبّاق بالتنبيه من ان ما حصل "اعلان حرب" من قبل اسرائيل على لبنان ككل، واخراج الملفّ من سياق الصراع بين تل ابيب وحزب الله او محور المقاومة، ووضعه في اطار وطني، شكّل بالوقت عينه غطاء وامرا واقعا بالنسبة للحريري الذي رأى نفسه مضطرا على ان يركب الموجة، بعد ان اختبر أكثر من مرة ركوب الموجة مع الرئيس عون ولم يعد خائبا". وتشير المصادر الى ان تغريد الحريري بعيدا عن سرب عون– حزب الله–أمل كان ليشكّل ضربة مدوّية للاستقرار الداخلي وللتسوية السياسية الصامدة منذ العام 2006، وهو ما لم يخاطر به رئيس "المستقبل"، خاصة وان موقف "القوات" يبدو متردّدًا وليس تصعيديا كما اعتدناه في السنوات الماضية حين يتعلق الامر بحزب الله وقرار السلم والحرب، أضف ان غياب موقف رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط يطرح هو الآخر اكثر من علامة استفهام". وتضيف المصادر: "صحيح ان الاشتراكي يسعى منذ ما قبل حادثة قبرشمون لاستعادة حدّ أدنى من علاقته بحزب الله، وهو كثّف مساعيه من دون ان يلقى حتى الساعة التجاوب المطلوب في ظل برودة الحزب في التعاطي مع الملف"، لافتة الى ان "ذلك لا يشكل سببا مقنعا لمسايرة حزب الله الى هذا الحد واقتصار كل ما صدر عنه في هذا الملف بدعوته الى مواجهة العدوان بالوحدة الداخلية". وتذهب المصادر للحديث عن جناحين في الادارة الاميركية، الاول يؤيّد اسرائيل تماما في ما قامت وتقوم به، والثاني رافض لحراكها الاخير وبالتحديد للخرق الذي تم تسجيله في الضاحية، لاعتقاده بأن ذلك يهدد الاستقرار الداخلي اللبناني الذي تسعى ​الولايات المتحدة الاميركية​ للمحافظة عليه منذ انفجار الاوضاع في سوريا وتأزم ملفّ النازحين، معتبرة ان "موقف حلفاء واشنطن في لبنان قد يكون منسجما مع الجناح الثاني الذي لا يعارض توجيه رسالة حاسمة لتل أبيب بخصوص الخطوط الحمراء لبنانيا".

بالمحصّلة، يبدو مستبعدا تماما ان يكون الحريري يسير بانقلاب على سياسته المعروفة من حزب الله وسلاحه، لكن ما سبق يؤكد ان هناك تحولا قد يكون محصورا بالمرحلة والمصالح الداخلية الآنية التي لا تتعارض مع بعض المصالح الخارجيّة، فهل يكون قد نجح هذه المرة بالنأي بنفسه وتجنب تجرع الكأس المر كما دائما؟!.