تماماً كما كان متوقّعاً، نفذ "​حزب الله​" وعد أمينه العام ​السيد حسن نصر الله​، واستهدف من ​لبنان​ آليّة عسكريّة ​إسرائيل​ية، متجاوزاً حالة الاستنفار المُعلنة إسرائيلياً على كامل الحدود، في هجومٍ لم يُعرَف ما إذا كان محصوراً بالردّ على الغارة الإسرائيلية التي استهدفت عناصره في ​سوريا​، أو إذا كان يشمل كذلك الردّ على الاعتداء الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية لبيروت.

وإذا كان "حزب الله" استفاد في "تكتيك" هجومه، من الموقف اللبناني الرسمي والشعبي الذي أعقب اعتداء الضاحية، والذي أثنى عليه نصر الله في كلمته الأخيرة، فإنّ مسار الأمور بعد الهجوم لم يخالف التوقعات أيضاً، لجهة "محدودية" المواجهة التي أشعلها، بفعل الردّ الإسرائيليّ على مصادر النيران، وصولاً إلى "رهن" رئيس الوزراء الإسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ أيّ خطوةٍ تالية بتطور الأمور.

لكن، هل يمكن القول إنّ المواجهة انتهت فصولاً بعد هذه العمليّة؟ وهل يكتفي "حزب الله" بما حصل؟ وما صحّة ما حُكي عن أنّ الردّ جاء مدروساً بحيث لا يؤدّي إلى اندلاع حرب، وفقاً لتقديرات "الحزب"، بالحدّ الأدنى؟ وأين كانت الدولة اللبنانية من كلّ ما حصل؟!.

رد "مدروس"؟

منذ صباح يوم الأحد، كان كلّ شيءٍ يوحي بأنّ شيئاً ما يُحضَّر على الجبهة الجنوبية، بعد ساعاتٍ على كلمة السيد نصر الله التي جدّد فيها التوعّد بالرد على الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة، قائلاً إنّ الردّ "محسوم"، وإنّه مفتوحٌ على كلّ الخيارات، وإنّه يمكن أن يحصل من أيّ نقطة على كامل الحدود اللبنانية، بما فيها ​مزارع شبعا​.

كان الاستنفار الإسرائيلي واضحاً منذ الصباح، وعلى وقعه، تصاعدت التهديدات الإسرائيلية، والتي دخلت على خطّها "مزايدات" مرتبطة بالاستحقاق الانتخابيّ المُنتظر هذا الشهر، والذي يشكّل هاجساً كبير لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو الذي يبحث من خلاله عن "حصانة" تقيه شرّ محاكمته وزجّه في السجن، على خلفية قضايا الفساد.

لكن، وعلى الرغم من هذه التهديدات التي سبقت وتلت هجوم "حزب الله"، والتي دفعت نتانياهو إلى حدّ القول في تعليق أولي نُسب إليه إنّ "لبنان سيدفع الثمن"، وعلى الرغم من كلّ "التهويل" الذي واكب الهجوم على أكثر من مستوى، لبنانياً وعربياً وإسرائيلياً، إلا أنّ جولة التصعيد التي أحدثها لم تخرج عن سقف التوقّعات، وجاءت بشكل أو بآخر نسخة طبق الأصل لـ "مناوشات" كانت الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلّة شهدتها أكثر من مرّة خلال الأعوام المنصرمة، على غرار ما حصل في كانون الثاني 2015 عندما استهدف "الحزب" عدداً من الآليات العسكرية الإسرائيلية، رداً على استهداف عدد من قيادييه وعناصره في منطقة القنيطرة السورية.

ومع أهمية الاتصالات الدبلوماسية التي قام بها رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ مع الجانبين الأميركي والفرنسي مباشرةً بعد الهجوم، فإنّ المراقبين أرجعوا "محدودية" المواجهة إلى أنّ الردّ كان "مدروساً" تحديداً لهذه الغاية، بمُعزَلٍ عن مدى دقّة المعلومات التي انتشرت عن سقوط إصابات نتيجة الهجوم، أم لا. ولعلّ الرسالة التي أراد "الحزب" أن يوجّهها للمعنيّين من خلف الهجوم هي أنّه يبقى مستعداً لكلّ السيناريوهات والاحتمالات، وأنّه قادرٌ على ضرب التحصينات الأمنية الإسرائيليّة في أوجها، تماماً كما حصل بالأمس، وهذا بيت القصيد.

المواجهة مستمرّة؟!

قد تكون تسمية العملية التي نفذها "حزب الله" باسم العنصرين اللذين سقطا نتيجة الغارة الإسرائيلية على دمشق قبل أسبوع، حسن زبيب وياسر ضاهر، دفعت الكثيرين إلى الاستنتاج بأنّها مرتبطة حصراً بالردّ على اعتداء دمشق، بمُعزَلٍ عن اعتداء الضاحية، الذي يبقى الردّ عليه وارداً في أيّ لحظة، إلا أنّ الأكيد أنّ "الحزب" الذي طبّق عملياً قواعد الاشتباك التي رسمها أمينه العام نظرياً حين توجّه إلى الإسرائيليين قائلاً "عندما تقتلون منا في سوريا سوف نرد في لبنان"، يعتبر أنّ الهجوم الأخير ليس سوى محطّة في المواجهة المستمرّة بينهما.

إلا أنّ رسائل "الحزب" الواضحة في هذا الاتجاه، لم تمنع بروز العديد من الملاحظات وعلامات الاستفهام على هامش العملية، بل خروج بعض الأصوات التي شكّكت بطبيعة العمليّة من الأصل، وهو ما تجلّى في ذهاب بعض خصوم "الحزب" إلى حدّ الحديث عن أنّ الهجوم جاء ليتوّج "تنسيقاً" بينه وبين إسرائيل، ولو بصورة غير مباشرة، لتمرير "القطوع" بما لا يصوّر أياً من الطرفين منهزماً.

ويقول أصحاب هذا الرأي إنّ "حزب الله" الذي بقي على مدى أسبوع يهدّد ويتوعّد، نفّذ في النهاية هجوماً هو يدرك أنّه لن يؤدي إلى قلب التوازنات العسكرية على الأرض، على الرغم من أنّه يمتلك قدرات عسكرية وتقنية تسمح له بضرب العمق الإسرائيلي، بخلاف افتراض البعض، عن حسن أو سوء نيّة، أنّ هذا "أقصى" ما يستطيع فعله. ومَرَدّ ذلك، برأي هؤلاء، أنّ كلّ ما أراده الحزب هو تصوير عمليته وكأنّها "انتصار"، باعتبار أنّه عندما يعد يفي، وأنّه لا يسكت على الاعتداءات الإسرائيليّة، ولكنّه لم يكن يرغب في استعادة مشهد 2006، والذهاب إلى حربٍ شاملة لا يعرف أحد متى وكيف يمكن أن تنتهي.

وفي المقابل، يعتبر هؤلاء أنّ الطرف الإسرائيلي لم يخرج "منهزماً" نتيجة الهجوم، علماً أنّ البعض اعتبر الأمر "خدمة" لنتانياهو، الذي بادر أصلاً إلى "التصعيد" لتوظيفه في الانتخابات الإسرائيليّة، وهو ما حصل نسبياً بشكلٍ أو بآخر. ولعلّ ما يعزّز هذه الفرضية يتمثل في الرواية الإسرائيلية الرسمية عن الحادث، والتي زعمت عدم وقوع إصابات نتيجته، وصولاً إلى حدّ الترويج لـ "حيلةٍ" نجح في استخدامها لإيهام الطرف الآخر بنجاحه، وإن كان صحيحاً أنّ الهجوم جاء في ذروة الاستنفار الأمني المُعلَن على كامل الحدود الشماليّة، بدليل أنّ الإسرائيلي اكتفى بالردّ "الشكليّ" على مصادر النيران، بل ذهب إلى إنهاء "الجولة" بعد وقتٍ قصيرٍ من اندلاعها، معتبراً أنّها "انتهت" بالنسبة إليه.

ماذا بعد؟!

كما عند كلّ مواجهة بين "حزب الله" وإسرائيل، كان من الطبيعيّ أن تُطرَح علامات استفهام حول "تموضع" الدولة اللبنانية من كلّ ما حصل، وإن كان هجوم الحزب لم يأتِ مفاجئاً، بل تمّ التمهيد له على مدى الأسبوع المنصرم، بموافقة ضمنيّة، ولو غير مُعلَنة، من الحكومة، علماً أنّ البعض قال إنّ "الموافقة" كانت على الردّ على اعتداء الضاحية، لا اعتداء دمشق، الذي لا علاقة للبنان به.

لكن، أبعد من هذا النقاش "البينزطي" الذي قد يعيد إلى طاولة البحث الاستراتيجية الدفاعيّة، التي أحيلت إلى "التقاعد"، يبقى الترقّب سيّد الموقف لما بعد هذه الجولة، على المستويين العسكري والسياسي، في وقتٍ يعتقد كثيرون أنّ المشاكل المتفاقمة التي يتكبّدها لبنان لا تتحمّل أيّ توتيرٍ مُضاف حالياً، أقلّه حتى ينهض من كبوته الاقتصادية، ويشرع في ورشة الإنقاذ الموعودة...