يكاد النائب العميد ​شامل روكز​ لا يفوّت فرصة من شأنها ان تفيده في إثبات تمايزه عن «التيار الوطني الحر» وتكتله النيابي برئاسة الوزير ​جبران باسيل​، وهي مسافة تبدّت بوضوح في مقارباته للملفات السياسية والاقتصادية أخيراً. لكن استقباله عدداً من الكوادر المفصولين من التيار، ضمن لقاء استضافه في منزله في ​اللقلوق​ قبل ايام، انطوى على رسالة هي الاصرح والاوضح في تعبيرها عن حيثيته الخاصة.

أتى استقبال روكز للمبعدين من «التيار الحر» بالترافق مع انتخاباته الداخلية التي اعادت باسيل الى موقع الرئاسة بالتزكية، ما عزّز الانطباع لدى البعض بأنّ روكز اراد ان يعطي اشارة إضافية في توقيت مدروس لاعتراضه على نمط إدارة باسيل للتيار البرتقالي وطريقة تعامله مع الشأن العام، وكذلك مع معارضيه الذين قرّر نائب ​كسروان​ ان ينفتح عليهم، وربما يكون قد اصبح واحداً منهم، ولو على طريقته.

ولكنه يحرص في الوقت نفسه على ان يبقى متموضعاً ضمن البيئة العونية الواسعة التي يعتبر انّها تشكّل «مسقط رأسه» السياسي، انطلاقاً من كونها سابقة في تكوينها على ولادة التيار، وبالتالي فهو يتصرف على قاعدة انّ شرعيته الشعبية والسياسية منبثقة منها في الاساس، ثم من صناديق الاقتراع، ولا فضل لأحد عليه في هذه الشرعية المكتسبة.

ووصل روكز في اندفاعته نحو تكريس «حيثيته الخاصة» الى حد مقاطعة الاجتماعات الاخيرة لـ»تكتل ​لبنان​ القوي»، خصوصاً بعدما اتسع الخلاف بينه وبين مرجعية التكتل حول المقاربة المالية لملف ​العسكريين المتقاعدين​ الذين قرّر العميد المتقاعد ان يبقى منحازاً الى جانبهم حتى النهاية، ولو على حساب مقتضيات وجوده في صفوف التكتل، حيث اختار ما يشبه «التمرّد» التنظيمي في مواجهة موقف ليس مقتنعاً به، ولا يملك القدرة على تغييره، باعتباره يحظى بموافقة معظم الاعضاء.

ويؤكّد روكز لـ»الجمهورية»، انّ المنتسبين السابقين الى التيار والذين استضافهم في منزله «هم أصحاب تاريخ نضالي، وبعضهم كان في عداد ​أنصار الجيش​، وبالتالي علاقتي بهم متماسكة ولا أجد اي حرج او غرابة في استقبالهم والتفاعل معهم».

ويضيف مبتسماً: «على حد علمي، هؤلاء ليسوا مطلوبين لا محلياً ولا خارجياً، وهم ليسوا مدرجين على لوائح ​الارهاب​، علماً انني لست من الذين يمكن ان يتقبّلوا تكبيلهم بأي قيود، بل أنا أتقيّد فقط بقناعاتي».

ويؤكّد انّ لقاءه القيادات المفصولة من التيار لم يأتِ في سياق التحضير لاي مصالحة او وساطة بينهم وبين باسيل، قائلاً: «انا لست «ابو ملحم»، وكل ما في الامر انني احببت ان استفيد من اقامتي الصيفية في اللقلوق للقاء بعض الاصدقاء».

وعن دلالات اصراره على التغريد خارج السرب الذي يقوده باسيل، يعتبر انه «ليس هناك في الاساس سرباً مكتملاً حتى أغرّد خارجه، وأنا اصلاً انتمي الى الخط المؤسس لهذه الحالة العونية العريضة، وكنت ولا ازال جزءاً من معادلة «شعب لبنان العظيم» منذ إطلاقها».

ويلفت الى انه حريص دائماً على ان يعبّر عن آرائه بشفافية وصراحة، «من دون لف او دوران، ومن غير ان أحسب ما إذا كانت ستُصنّف داخل السرب ام خارجه، إذ ليس لديّ بتاتاً هذا الهاجس». وهل كنت تنتخب باسيل رئيساً للتيار لو كنت منتسباً رسمياً الى صفوفه؟ يجيب روكز: «لست ممن ينتخبون «عالعمياني»، ومن حيث المبدأ، أنا افضّل حصول منافسة انتخابية ووجود اكثر من مرشح، انسجاماً مع متطلبات اللعبة الديموقراطية وحيويتها، إلّا انّ الامور جرت على النحو الذي انتهت اليه، وهذا شأنهم».

وضمن اطار التمايز التصاعدي عن سياسات التيار، يشدّد على انه كان محقاً في رفضه التدابير التي استهدفت بعض حقوق القضاة والعسكريين، تحت شعار التقشف، لافتاً الى انّ السلطة أرادت منها ايصال رسالة بأنّها كسرت «التابو» الذي كان يمنع الاقتراب من هذه الفئة، واستطاعت ان تفرض تطبيق الاجراءات المالية المتخذة بحقها، تمهيداً لاخضاع ​الاجهزة الامنية​ والقضائية ووضع اليد عليها.

ويعتبر روكز، أنّ ​المحاصصة​ هي التي تحكّمت الى حد كبير بتركيبة ​المجلس الدستوري​ الجديد، «من دون ان نقلل من كفاءة رئيسه وبعض اعضائه»، محذراً من انّ قضم حقوق العسكريين والقضاة يفضي تلقائياً الى تقوية الفساد، لا مكافحته.

ولا يجد روكز في اجتماع الاقطاب في ​قصر بعبدا​ امس الاول مخرجاً ممكناً من الازمة الاقتصادية، مشيراً الى انّ مجريات هذا الاجتماع لم تكن مقنعة، «وكل من شارك فيه حمل معه موّاله الخاص، علماً ان المحك الحقيقي يكمن في موازنة 2020، فإما ان تتضمن رؤية واضحة للنهوض الاقتصادي على قاعدة ​مكافحة الفساد​ والهدر والتهريب والتهرّب الضريبي ومشاركة الاغنياء والقطاعات المربحة في تحمّل تبعات المعالجة، وإما استسهال فرض مزيد من الاعباء على الطبقتين الفقيرة والمتوسطة، وهو الامر الذي سنتصدّى له إذا حاولوا اعتماده».

ويبدي روكز تأييده طرح رئيس «القوات اللبنانية» ​سمير جعجع​ الداعي الى تأليف حكومة اختصاصيين تتولّى التصدّي للمأزق الاقتصادي ومعالجته، لافتاً الى انّه كان شخصياً اول من طالب بعد ​الانتخابات النيابية​ الماضية بحكومة اختصاصيين مصغّرة من 14 وزيراً، تتولّى ايجاد الحلول الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الراهنة، «من غير ان يمنع ذلك وجود بطانة سياسية للوزراء».

ويلفت الى انّ التجارب اثبتت انّه يجري التعامل مع حكومات الوحدة الوطنية كأنّها مُنزلة، بحيث تستحيل محاسبتها كما يجب في مجلس النواب، «ولذا من الافضل الاستغناء عنها».