تواجه ​الحكومة​ مشكلة، وهذا صحيح، والعمل الجدّي المنتج للحكومة مطلوب اليوم أكثر من اي وقت مضى، وهذا صحيح ايضاً، فما هي معوقات العمل الحكومي بالأولوية؟

خلال الفترة الطويلة ل​تشكيل الحكومة​ ومن بعدها مرحلة إقرار ​الموازنة​ ومناقشاتها في ​مجلس النواب​ والتصويت عليها، والمرحلة التي تبدأ الآن لإعداد موازنة 2020، تظهر أمامنا مشكلتان كبيرتان، عنوان الأولى، تعطّل العمل الحكومي بسبب الشلل السياسي الناجم عن الإصرار على صيغة حكومة الجميع رغم عدم تجانس مكوناتها وغياب التوافق في ما بينها، على رؤى موحّدة وسياسات مشتركة، ما اقتضى شهوراً لولادتها، وشهوراً مثلها للبتّ بأمور لا تحتاج إلا لأيام لحسمها في حكومة متجانسة، فتحولت الحكومة واجتماعاتها إلى سوق عكاظ كلامي وإلى ملعب كرة يتمّ تقاذفها بخلفية تسجيل النقاط لا الإنجاز الحكومي.

وعنوان المشكلة الثانية، تعطّل الرقابة البرلمانية التي يُفترض أن تصوّب الأداء الحكومي. والسبب عائد لكون حكومة الجميع برلمان مصغّر، حيث لا وجود لمعارضة برلمانية فاعلة تتولى مراقبة أخطاء الحكومة وتحويلها إلى أسئلة وأجوبة وطرح ثقة بوزراء ثم بالحكومة ، لينضبط العمل الحكومي تحت سيف الرقابة البرلمانية ومخاطر تبدّل الأغلبية من ضفة إلى ضفة .

بقياس ​الكفاءات​ المهنية في مجالات العمل الحكومي قد يكون ثمة حاجة لمزيد من العناية بالإختصاص في بعض الوزارات، مع تسجيل التنويه بالكفاءة والجدّية والإنتاجية لدى عدد وازن من وزراء الحكومة ومن تيارات مختلفة، وبالتالي لا يمكن القول إنّ مشكلة الحكومة هي أنّها ليست حكومة تكنوقراط، بمقدار ما هو واضح أنّ مشكلة الحكومة هي كونها حكومة الجميع، لتتحوّل مجرّد منصّة سياسية للكلام، بدلاً من أن تكون خلية نحل للإنتاج والأفعال .

الذين يعارضون مواقف الأغلبية النيابية التي تشكّل اليوم الإتجاه الأقوى في الحكومة، والتي يدعمها ​رئيس الجمهورية​ ورئيس الحكومة، يعلنون أيضاً معارضتهم لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة. وإذا نظرنا بصدق من موقع مصلحتهم كمعارضة لا يجمعها بالأغلبية أي مشتركات، سنجد بالضرورة أنّ عليهم أن يغادروا الحكومة سريعاً ليتسنى لهم معارضتها فعلًا، وكي لا يُطعن بصدقية كونهم أصحاب أخلاقية في العمل السياسي، فيتعلقون بحبال البقاء في السلطة ويتزينون بخطاب المعارضة، وهذه قمة الإنتهازية السياسية، لكنها في حال ​لبنان​ تتحوّل إلى تخريب منهجي لعمل حكومي جاد، من دونه سيكون لبنان أمام أخطار كبرى يتحمّلون مسؤولية وقوعها، حتى لو حمّلوا المسؤولية للأغلبية، لأنّ السبب واضح وهو كونهم عطّلوا الحكومة عن العمل، كما هي تخريب منهجي للديمقراطية البرلمانية التي تمنح الأمل للبنانيين أمام أي فشل حكومي عبر ظهور معارضة فاعلة وقوية في مجلس النواب .

في المقابل، فإنّ التخلّي عن نظرية حكومة الجميع بات مسؤولية قوى الأغلبية النيابية التي تتمثل ب​الكتل النيابية​ المؤيّدة لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، لأنّها بنظر اللبنانيين تملك القدرة على ترجمة وعودها الى أفعال، ولا عذر لها بتعطيل تُحمّله للأقلية المعارضة، فمعها أغلبيتان نيابية وحكومية ورئاسات فاعلة، فلماذا تحتفظ بالكوابح التي تعطّلها داخل الحكومة، وبأي عذر ترتضي تحويل حكومة «إلى العمل»، إلى حكومة كلمات وكلمات وكلمات؟

آن الأوان لمصارحة بين الأغلبية والمعارضة داخل الحكومة لطلاق ودّي، فقد إنتهى وقت «الصبر الجميل» ومثله إنتهى وقت «الصفح الجميل»، وجاء وقت «الهجر الجميل»!