الدولُ كالأفراد، لها مصالحها الخاصة والشخصية وحساباتها، فإما ان تكون مصالح سياسية وإما ان تكون حسابات مالية، لذا من غير المفاجئ أن نشهد "تنازع مصالح وحسابات" بين الدول والهيئات والمؤسسات الدولية على أرض ​لبنان​. هذا "التنازع" يقوم اليوم بين خمسين دولة وهيئة دولية شاركت في مؤتمر "سيدر" الذي انعقد في نيسان 2018 من أجل لبنان :

هناك دولٌ تريد أن تساعدَ لبنان من أجل أن يبقى لها نفوذ فيه .

هناك دولٌ تريد أن تساعدَ لبنان من أجل ان يكون لها "موطئُ قدمِ نفوذٍ فيه" لتنافس الدول التي لها نفوذ .

هناك دول تريد ان تساعد لبنان من أجل ان تجدَ لشركاتها وصناعاتها "مجالَ عملٍ واستثمارٍ في لبنان" فتستفيدُ شركاتها من ​القروض​ الميسّرة والهبات المشروطة التي تقدمها للبنان .

هناك هيئاتٌ ومؤسساتٌ مالية ونقدية تريد ان تساعد لبنان للإفادة من فائدة القروض التي ستقدمها للبنان .

***

إذا سار الإنسجامُ والتنسيقُ بين هذه الدول وهذه الهيئات، تكون الأمور بألف خير، ولكن حين تتضارب المصالح، يبدأ الصراعُ الخفي والصامت بين هذه المجموعات، وأكبر دليل على ذلك ما يشهده لبنان من تجاذب بين بعض دول "سيدر" وبعض المؤسسات الدولية النقدية المعنية بـ "سيدر".

***

ماذا يجري؟

أموال "سيدر" محفوظة في خزائن الدول وفي خزائن الهيئات والمؤسسات الدولية، ولن يُفرَجَ عنها إلا بعد ان يُنفِّذ لبنان سلة شروط وإصلاحات .

الفرقُ بين الدول والمؤسسات أن الدول هي التي تُعطي ​الضوء​ الأخضر للإفراج عن الأموال وليس المؤسسات، بهذا المعنى فإن ​البنك الدولي​ و​صندوق النقد الدولي​ وغيرهما من المؤسسات تنتظر ما ستقرره الدول. وهنا يكمن الصراع .

الموفد الفرنسي ​بيار دوكان​ في ​بيروت​ منذ ايام لمواكبة الإستعدادات اللبنانية لتطبيق شروط "سيدر"، زيارة دوكان هذه المرة كان فيها منسوبُ الصراحةِ أعلى من المرات السابقة، فهو وضع ما يشبه الشروط حين أعلن أن "التزامات الدول والهيئات المانحة تجاه لبنان لا تزال قائمة، فيما ينتظر في المقابل من السلطات اللبنانية أن تنفّذ التزاماتها."

هذا الكلام يعني ان دول "سيدر" تريد من لبنان إثباتَ جديته كي تطمئن هذه الدول والهيئات إلى مصير القروض التي ستؤمنها للبنان. ويبدأ هذا المسار الاصلاحي، بوضعِ موازنةِ العام 2020 لناحية خفض ​العجز​ في ​المالية العامة​ بشكلٍ متدرج، إقرارِ الهيئات الناظمة في قطاعات ​الكهرباء​ و​الاتصالات​ و​الطيران المدني​، وضعِ سلّةِ أولوياتٍ للمشاريع التي تريد الحكومةُ اللبنانيةُ البدء بتنفيذها، وإقرارِ آلياتٍ تحفظ شفافية العمل كي تتمكن هذه الصناديق من متابعة المشاريع التي يجب تنفيذها ومراقبة كيفية صرف هذه القروض.

***

هكذا فإن الـ 11 مليار ​دولار​ كقروضٍ بفوائد مخفّضة وهِبات، لن يتمَّ الافراجُ عنها إلّا بعد الوفاءِ بشروطٍ محددة كانت ​الحكومة اللبنانية​ قد تعهدت بتنفيذها، تتعلّق بإصلاحات هيكلية في إدارة الحسابات العامة، وفي الحكم و​مكافحة الفساد​ وغيرها.

حيال هذه الشروط، لا يستطيع البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي أن يفعل شيئًا تجاه التسريع.

***

هكذا، الكرة في ملعب لبنان.