تغرق السياسات والعلاقات والقرارات والصراعات الدوليّة بتطوير العقل لأنظمة الذكاء الإصطناعي أو برامج "لوغاريتمات" الكومبيوتر فتكشف ضحالة الثقافات الفجّة المطبوعة بالإرتجاليّة. وتحلّ عناصرالمفاجأة بين الأطراف إلى درجة التخيّل بأنّ أقصى ​العلوم​ المعقّدة هي أبسطها إذ تنحو في وظائفها نحو ممارسة اللعبة فيقال:هم "يلعبون فينا" وهم لا تحدّد الأهداف إختصاراً لمجرمي العمل السياسي والعسكري.

هل أنّ ثقافة ​المستقبل​ وأوطانها وحدودها وحروبها ستكون إذن وحصراً نوعاً من اللعب أو خارجة من الألاعيب والمغامرات "البهلوانية" الحافلة بالوظائف والطموحات والصراعات والأسرار والمخاطر الكبرى؟

نعم . وفي الإجابة الأولى عن السؤال:

لماذا يلعب اللاعب فرداً أو دولة بالنار؟ أجيب: يلعب لأنّه يلعب. لماذا يلعب؟ لأنّه في أثناء اللعب وبعده لا يمكنك طرح أسئلة من هذا النوع، حيث تكون اللعبة خالية دوماً من ال لماذا إذ تختفي السببيّة الممثلة ب السؤآل: لماذا؟ السؤآل عن السبب والهدف يأتي بعد حصول الحدث وتفكيكه وأغراضه ومفاجآته، والتعرّف عن مدى إستهلاكه للكثير من الأفكار والنوايا والإختبارات التي تسبق تحقيق اللعبة أو المغامرة بتطبيقها .

وفي الإجابة الثانية، أنقل مختصر ما قاله جنرال أمريكي لزميله العربي، تعليقاً على سقوط طائرتين ​إسرائيل​يتين مسيّرتين من دون طيّار في الضاحية ​الجنوب​يّة ل​بيروت

(25/08/2019) إنفجرت إحداها وخلّفت أضراراً لدى تحطّمها ممّا ولّد إستنفاراً وهلعاً سكّانيّاً بين ​لبنان​ و"إسرائيل" من أن تجرّ "لعبة" الطائرات الخطرة إلى حروبٍ واسعة، جاء الرد الصاروخي مستهدفاً آلية عسكرية إسرائيلية (1/90/2019) ردّت عليه " إسرائيل" بقصفٍ إستهدف المناطق الجنوبيّة للبنان"، قال:

"يكفيك اليوم أن تبحر في الكومبيوتر بحثاً عن مستقبل اللعب في حروب الطائرات من دون طيّارين، كي تدرك على أي كوكب نحن نعيش، وكيف أنّ الحروب والاستراتيجيات باتت خاضعة لمنطق الألعاب الإلكترونية وقوّتها التي لا فرق فيها بين حروبنا العسكرية وألعاب أطفالنا وأحفادنا على الشاشات. مثلما كان يطلق طفل ​طائرة​ ورقية يحملها الهواء مسافة قصيرة، أو صار يلعب بصور حروبنا التي خضناها ونخوضها في ​العالم​ منسوخة على أقراصٍ مدمّجة أو عبرالتطبيقات الإلكترونية المجّانية والتي تؤسّس للثقافات والألعاب المعاصرة الخطيرة التي لا حدود لها، باتت الدول الكبرى تستخدم نور ​الشمس​ لإطلاق طائرات قادرة على التقاط ونقل أبسط صوت وحركة فوق الأرض، لا حركات البشر والكائنات وحسب بل العالم المصنوع الموازي للبشر، وهي تتفنّن في خوض الحروب وعدم الإستقرار. لقد دخلت البشرية في عصر "الأتمتة" حيث يضمن المهاجم سلامته بتحريك الطائرات المسيّرة وقيادتها بعدما إستنسخ طيور الدنيا وحشراتها للتصوير وبثّ الصور من معاقل الأعداء وكذلك تحريك القوراب والأشرعة و​السفن​ والماكينات والمخترعات المتنوّعة من بعد بواسطة الضغط على أزرار التوجيه الإلكتروني. زالت الفروقات بين الآباء والأبناء من زمنٍ بعيد في الدنيا حيث كنّا وما زلنا نقصف في قمرات الطائرات ونحن نحتسي الشراب ونسمع الموسيقى الكلاسيكية تماماً مثل أولادنا الذين يلعبون أللاعيب الحروب في زوايا البيوت. وعليكم كعرب أن تخرجوا من تلك الملامح الجدّية التي تتراكم فوق وجوهكم طبقات طبقات، لتلعبوا أكثر مع أطفالكم"

هل أقصد أنّ الحروب المستقبلية وإعادة رسم مستقبل الدول تتّجه أكثر فأكثر إلى نوعٍ من الألعاب؟ إنّها كذلك على الأرجح، بالنسبة إلى المواقع المتبادلة في مفاهيم

السلطات والسياسات والدول والزعامات والطموحات التي لا حدود لها والتي تتشابه مع تطلّعات ​الأطفال​ وخيالاتهم ومغامراتهم قبل أن يتملّكهم الإدراك بالمخاطر اللذيذة. نعم ، المخاطرة مبنيَّةً على فكرة اللعب أولاً، لا على المعرفة والثقافة والحكمة، وثانياً هي خاضعة بوسائلها وتطلّعاتها ومواقعها اللانهائيّة المحتملة إلى منطق الألعاب المعاصر الشديد التعقيد. وعليه لم يُحسم الصراع الدموي تاريخياً ببساطة ، لأنّ طرفي اللعبة المتعدّدة الوجوه يثبتان وجودهما بجهود تختلف في تضافرها وسرعتها من طرف إلى آخر. وتبدو اللذة في تحقيق الذات مضاعفة وغامضة في صناعة التدمير. يتولّد الغموض بسبب انهيار الأنظمة والسلطات المتعدّدة المتراكمة بسرعة وذلك لمصلحة المستقبل الملبّد بالغموض في ما ستؤول إليه الأشكال والبنى الناتجة عن اللعب.

أسئلة أخيرة: أنصدّق بأننا نعيش تداعيات ألعاب غامضة تفرقنا مثل أيدي سبأ؟

وأيّهما أقوى فأرة أسطورة الجنوب في مأرب من ​اليمن​ أم فأرة العصر Mouse التي تحمل بالنقر على رأسها الدقيق المتنوع الأشكال والألوان نظم المعرفة والألعاب الجذّابة المتدفّقة سيولاً وكأنّنا في فصل ممطر واحد تتلهّى فيه البشرية بألعابها الخطرة والمسليّة؟

يقال أنّ السبب في سقوط ​الدولة​ السبئية كان تصدّع سدّ مأرب في اليمن نتيجة إهمال الحكّام وفسادهم وجهلهم، بينما تقول الأسطورة أن فأرة قرضت أساس السدّ هناك فانهار وارتحل العرب نحو ​الشمال​ والشرق حاملين فروسيّتهم وأحزانهم وعاداتهم وضُرِب بهم المثل:

"تفرّقوا أيدي سبأ".

وما زال...