لم يخرج الإمام الحسين ويثور لأجل مسلم دون آخر، بل خرج لأجل الهدف الذي وُجدت لأجله الاديان، أي "الإنسان"، بغض النظر عن دينه، لذلك فإن ذكرى ​عاشوراء​ تحمل من المعاني والقيم ما يجعلها عابرة للطوائف، وهذا ما أدركه الإمام ​موسى الصدر​، وما تطبّقه اليوم ​حركة أمل​ في مجالسها العاشورائية المركزية.

قد يستغرب المتابع لمجالس حركة أمل، وبالأخص مجلس المصيلح، صور ومعوض، هوية الخطباء من غير "الشيعة"، وحجم المعلومات التي يمتلكونها، ولكن عندما نتعمّق في ​الثورة الحسينية​ يصبح الأمر عاديا، فالحسين منارة لكل الاديان السماويّة التي ترفض الظلم وتناشد العدل.

ليس جديدا على حركة أمل تميّزها بالخطاب الوطني الجامع، بعيدا عن الفئوية، ولكنها هذا العام ذهبت بعيدا في طلب الوحدة، فوضعت قيادتها بتوجيه من رئيسها ​نبيه بري​ منابر المجالس العاشورائية في خدمة هذه الوحدة، انطلاقا من إيمانها بكلام مؤسسها الذي قال: "إن حادثة كربلاء في أبعادها تتجاوز محنة عاطفيّة ومأساة بشريّة، بل إنّها نموذج بأسبابها وتفاصيلها ونتائجها تعلِّم الأجيال كلّ الأجيال"، والحديث عن الأجيال هنا لا يخص فئة ولا طائفة".

في المجلس العاشورائي الذي يقيمه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في المصيلح تحدث مفتي صور ومنطقتها الشيخ مدرار حبّال، الذي اعتلى منبر مجلس صور أيضا، متطرّقا لمعاني وقيم عاشوراء وعظمتها وعظمة رجالها، كذلك كان لراعي أبرشية صيدا ودير القمر للطائفة المارونية المطران مارون العمّار خطابه في المصيلح، ومثله رئيس اللجنة الثقافية في المجلس المذهبي في طائفة الموحدين الدروز سامي أبي المنى، ورئيس مدرسة قدموس الأب جان يونس في مجلس المصيلح الذي تحدث عن معاني الثورة الحسينية ونعمة الحياة ونعمة النور ونعمة الاستشهاد في الثورة الحسينية.

في صور شارك راعي أبرشية صور المارونية المطران شكر الله نبيل الحاج الذي اعتبر أن ذكرى استشهاد الإمام الحسين أصبحت مساحة وطنية جامعة، وصدق المطران بقوله، فكانت كلمته وطنية جامعة، وفي مجلس معوّض المركزي والذي يشهد يوميا حضور آلاف المواطنين، كان لمفتي بعلبك-الهرمل الشيخ بكر الرفاعي كلمته التي شدّت المتابعين لكثرة "الافكار" والمعلومات فيها ولقدرة المفتي على خوض غمار ذكرى عاشوراء ارتجاليا. وفي هذا السياق يوجّه الشيخ الرفاعي التحيّة لحركة أمل على الخطوة المتقدمة التي اعتمدتها هذا العام حيث استقبلت "الآخر" للحديث في مناسبة كانت "مقفلة" سابقا، مشيرا الى أن هذه الجرأة من قبلهم بملاقاتنا في منتصف الطريق أوجبت علينا ملاقاتهم، لنؤكد على أن منطلقات المناسبة حسينية، والآفاق إسلامية، والأبعاء إنسانية ووطنية.

ويضيف الرفاعي في حديث لـ"النشرة": "كانت مثل هذه المناسبات سابقا تثير الحساسية المذهبية، حيث كان كل فريق يحشد حججه بوجه الفريق الآخر، فتبدو الأمور وكأن فريقا يدافع عن الحسين وفريقا يدافع عمّن قتله، ولكن مع خطوة "أمل" المباركة بدعوة رموز سنّية للتحدّث، تمكنّا من مشاركة معتقداتنا حول عاشوراء مع الشيعة فتبيّن أن المشتركات كثيرة جدا وهذا ما يجب التركيز عليه".

كذلك كان لمدير المركز الكاثوليكي للاعلام الأب عبدو أبو كسم كلمته في معوّض أيضا، علما أن مشاركاته لم تقتصر على المكان المذكور بل كان حاضرا في ​المجلس الشيعي​ وفي صيدا، وفي هذا الإطار يشير أبو كسم الى أن مشاركته كرجل دين مسيحي في ذكرى عاشوراء تأتي من باب القيم التي تحملها المناسبة، خصوصا المطالبة برفع الظلم ونشر العدالة ومناصرة الحق، مشددا على أن الذكرى تحمل مدلولات أكبر من مذهب وطائفة، وهي تعني الجميع.

واذ يؤكد أبو كسم في حديث لـ"النشرة" أن ​لبنان​ الغني بطوائفه يزداد غنى عندما نتشارك الاعياد والاحزان، يشير الى أنه مهما وقعت أحداث تعكر الصفو العام سنبقى نسعى لتوطيد علاقات اللبنانيين.

لم يكتفِ بري بلعب دور "الجامع" في السياسة، فانطلق من "عاشوراء" لتوحيد "الإنسان" في لبنان، فكانت الوحدة الدينية الوطنية بأبهى حللها.