ظهور رئيس ​القوات اللبنانية​ ​سمير جعجع​ منذ يومين لتبرير سبب ارجاء الزيارة التي كان ينوي القيام بها الى المختارة، اضاف الغموض الى التساؤلات التي كانت مطروحة لمعرفة اسباب التأجيل. وفي حين اكد جعجع ان الاسباب لا تتعلق بالاوضاع الامنيّة او السياسية، وان لا علاقة لها ايضاً باللقاء المفاجئ بين النائب ​تيمور جنبلاط​ ووزير الخارجيّة ​جبران باسيل​ في اللقلوق، اكتفى بتقليل اهمية السبب، فيما كثرت التفسيرات والتحليلات بشكل اكبر.

لم يوفّق جعجع في تبديد الغموض، وتركزت الاقاويل حول الاسباب الصحية لتغذّي بالتالي ما تم تداوله منذ اشهر حول تراجع صحّة رئيس القوات. صحيح ان هذا الموضوع لم يكن الهدف من وراء كلام جعجع، ولكن الخيارات التي طرحها وابقاها غامضة، تركت فقط هذا الطرح، فهل يكون هو الصائب؟ على اي حال، وبغض النظر عن السبب الحقيقي لارجاء الزيارة، بدا وكأن جعجع يعتمد خريطة طريق جديدة بعد أن شعر أنّه محاصر سياسياً، فقطع خيوطاً ربطته مع البعض وابقى على "شعرة معاوية" مع البعض الآخر، لكنه ومن خلال حديثه، يعرف ان المصالح السياسية لا تعرف شريكاً مدى الحياة. ليس من المستغرب ألاّ يعمد جعجع الى اتّباع الطريقة نفسها التي اتّبعها رئيس الحزب الاشتراكي ​وليد جنبلاط​ في مقاربته لما شعر بأنه محاولة لحصاره، وذلك مردّه الى الكثير من الاسباب اولها عدم النية او القدرة على الوقوع في أحداث امنية في مناطق تواجد القوات و​التيار الوطني الحر​ او القوات و​تيار المستقبل​، وليس آخرها عدم توافر الشبكة الاقليمية والدولية التي حظي بها جنبلاط مؤخّرًا. ازاء هذا المشهد، يعوّل جعجع على التركيبة اللبنانية التي توفّر غطاء للاعبين اللبنانيين وتمنع غيابهم عن الساحة، ولكنه يرغب في عدم خسارة مقدار كبير من نفوذه في الحياة السياسية، فقرر وضع خريطة طريق يعتقد انه ستفك الطوق السياسي عنه، واساسها العودة الى تلك التي كان وضعها فور خروجه من السجن واعادت ترميم القوات واطلاقها بحلة جديدة.

اساس هذه الخطة هي الاعتماد على عنصر الشباب، وتهيئة القاعدة للعب دور اكبر والمنافسة بقوة على الحصص في المراكز و​التعيينات​، وذلك من خلال ​الانتخابات​ الطلابيّة والعماليّة والبلديّة والنيّابية. وبغض النظر عن الموقف الذي يتخذه المرء من جعجع ورؤيته السياسية، لا يمكن عدم الاعتراف بأهميّة ما حصل في هذا السياق، حيث رسّخت القوات حضورها في مناطق تواجدها وبدأت تطلّ برأسها في مناطق لم تكن تتواجد فيها، وخطت خطوات عمليّة نحو مصالحات ونسج خيوط لم تنجح سوى مرحلياً فقط، واثبتت انها عادت ب​الفائدة​ للطرفين المعنيين انما لمدّة محدودة. هذه الخطّة فرضت ايضاً على جعجع ان يعمد الى الصوت العالي في التعبير، فهزّ العلاقة مع رئيس الجمهورية العماد ​ميشال عون​ التي وصلت الى حافة الهاوية، وقطع العلاقة مع باسيل بما يوحي انها لفترة طويلة، وربما لما بعد ​الانتخابات النيابية​ المقبلة، وارسل رسائل توتر الى كل من رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​ ورئيس الحكومة ​سعد الحريري​، فيما كانت المواقف اقرب الى العتاب من "الحلفاء" القدامى منهم والجدد وفي مقدمهم جنبلاط.

هذا الامر يعني ان جعجع الذي لن يغادر الحكومة؛ سينتظر الاستحقاقات المقبلة (القريبة منها والبعيدة)، وسيعتمد المعارضة من داخل السلطة في كل المواضيع وبالاخص تلك المتعلقة بالحياة الاقتصادية والمعيشية للناس، بما يؤمّن له تعزيز قاعدته الشعبيّة من جهّة، وكسب تعاطف غير مؤيّديه في السياسة من جهة ثانية، تحضيراً لجولة جديدة من "الكباش" للابقاء على دوره ونفوذه في المعادلات التقسيمية للمراكز، ومن المتوقّع ايضاً ان نشهد "حرباً" قوية في هذا المجال بينه وبين باسيل الذي يعمل على الخط الموازي أيّ الخط السياسي ويحصد ما يرغب به، في انتظار معرفة ما ستؤول اليه الاوضاع في المستقبل القريب.