على مدى الأيام السابقة، انشغلت الأوساط اللبنانية بسعي "​حزب الله​" إلى تثبيت قواعد الإشتباك مع ​إسرائيل​، لا سيّما بعد حادثة الطائرتين المسيّرتين في ​الضاحية الجنوبية​، حيث لم يتأخر الحزب في الرد عليها، بالإضافة إلى الغارة الإسرائيلية على عقربا السورية.

على هذا الصعيد، نجح "حزب الله" في إرسال أكثر من رسالة إلى تل أبيب، الأولى تتعلق بتأكيد معادلة الردّ على أي إستهداف له، سواء في لبنان أو في سوريا، أما الثانية فتتعلق بأن عهد إستباحة الأجواء اللبنانية من دون رد انتهى.

في جميع المواقف التي أطلقها الحزب، على لسان أمينه العام السيّد ​حسن نصرالله​، كان هناك تأكيد بأن لا خطوط حمراء بعد اليوم، لكن في المقابل تأكيد آخر أن الرد سيكون على قدر الإعتداء، إلا أن اللافت، في خطابه يوم أمس، السعي إلى تكريس قواعد إشتباك مع الجانب الأميركي، الأمر الذي أثار حفيظة بعض القوى المحليّة، التي رأت فيه تصعيداً خطيراً.

في هذا السياق، توقفت مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، عند أمرين هامّين، الأول تأكيد السيد نصرالله أن الحزب سيعيد النظر ويدرس خياراته جيداً في التعامل مع العقوبات الأميركيّة، بعد أن توسّعت لتشمل مصارف وأغنياء وتجّار لا علاقة لهم بالحزب، بعد أن كان يكتفي بدعوة الحكومة إلى أخذ الإجراءات المناسبة، أما الثاني فيتعلق بالإعلان عن أن الحزب لن يكون على الحياد في المواجهة الأميركية-الإيرانية.

وفي حين تعتبر المصادر نفسها أن السيد نصرالله أراد من خلال ما تقدم رسم معادلة جديدة مع الجانب الأميركي، قوامها أنّ التصعيد في سياسة العقوبات لن يبقى دون ردّ، لا سيما في ظل التهديدات بأن تطال شخصيات أو مؤسسات جديدة من حلفاء الحزب، تشير إلى أنّ الأهم هو التأكيد على أنّ سياسة تحييد الساحة اللبنانية، أو الحزب على نحو أدق، في أي مواجهة مع طهران غير وارد، وهو الأمر الذي كانت تسعى إليه ​الولايات المتحدة​، رغبة منها في إبقاء تل أبيب بعيدة عن أيّ ردّ إنتقامي، وهو ما تُرجم عبر الحماسة في فتح ملف ترسيم الحدود.

في هذا الإطار، تذكّر هذه المصادر بأنّ أمين عام "حزب الله" كان له موقف مشابه بعد زيارة وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو إلى بيروت، في شهر آذار من العام الحالي، حين تطرق إلى ملفّ العقوبات مؤكداً أنه "عندما يصبح الظلم يطال بلدنا كله وشعبنا كله، يجب ان نفكر بموقف آخر"، لكنها تشير إلى أن هذا الموقف لن يكون محلّ إجماع داخلي، على عكس ما كان عليه الموقف من الإعتداءات الإسرائيليّة الأخيرة.

من وجهة نظر المصادر المطلعة، هذا الجوّ يتماهى مع المواقف التي أطلقت من قبل المسؤولين اللبنانيين، خلال إجتماعهم مع مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى ​ديفيد شينكر​، في زيارة هي الأولى من نوعها في اطار مهمّته كوسيط في موضوع عمليّة ترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان واسرائيل، تزامنت مع خطاب السيد نصرالله، حيث استطاع الزائر الأميركي أن يسمع، من بيروت، مواقف أمين عام "حزب الله"، التي لن تمر مرور الكرام في بلاده.

في المحصّلة، تشدّد المصادر نفسها على أنّ مواقف "حزب الله" الأخيرة، تؤشر إلى دخول لبنان مرحلة جديدة من المعادلات مع واشنطن، لكنها تطرح علامات إستفهام حول ما إذا كانت ستدفع الولايات المتحدة إلى التهدئة أو التراجع أم إلى الذهاب بعيداً في سياساتها.