إنطوى خطاب الأمين العام لـ«حزب الله» السيد ​حسن نصرالله​ في ذكرى عاشوراء على رسالة شديدة اللهجة الى كل المعنيين بـ«الحرب المالية» التي تشنّها ​واشنطن​ على الحزب وبيئته، في اشارة واضحة الى أنه لن يتم «التعايش» مع هذه الحرب أو الرضوخ لتكتيكاتها وأهدافها.

يوحي موقف نصرالله انّ «حزب الله» الذي تمكن من تثبيت قواعد اشتباك دقيقة في البر والجو، على قاعدة توازن الردع في مواجهة ​اسرائيل​، سيحاول ابتكار «معادلة ردع» جديدة على المستوى المالي هذه المرة، في مواجهة العقوبات الاميركية الآخذة في التمادي والتمدد.

كان نصرالله واضحاً في التأكيد انّ توسّع العقوبات لـ«تطال بنوكاً لا يملكها «حزب الله» او اغنياء وتجار لمجرد انتمهائهم الديني او المذهبي او بسبب موقفهم السياسي، انما أصبح يحتاج الى تعاطٍ مختلف»، لافتاً الى انه «يجب على الحزب أن يعيد النظر ويدرس خياراته جيداً».

كذلك خاطب نصرالله الدولة ال​لبنان​ية، معتبراً انّ من واجبها ايضاً أن تدافع عن اللبنانيين وتحميهم، «لا أن تسارع مؤسساتٌ الى تنفيذ الرغبات والقرارات الاميركية، بل إنّ بعضهم «ملكي اكثر من الملك»».

ما هي الترجمة العملية المحتملة لهذا التحذير الصريح؟

في ما خصّ السلوك الرسمي تحديداً، يعتبر الحزب انه «إذا كانت الدولة ضعيفة على صعيد الجهوزية العسكرية بالمقارنة مع امكانيات ​العدو الاسرائيلي​، ما اضطره الى أن يملأ الفراغ منذ عقود، فإنها تملك في المقابل اوراقاً للحدّ من مفاعيل الحصار الاميركي والعقوبات المتدحرجة التي تصيب أهدافاً عشوائية، وهي معنية بأن تستخدم هذه الاوراق، لا أن تبقى متفرِّجة على ما يجري».

ويذهب أحد القريبين من الحزب في توصيف الواقع السائد في هذا المجال الى حدّ القول إنّ للحكومة «ساقَيْ دجاجة»، وذلك في معرض انتقاده ضعف أدائها وهزالة موقفها حيال موجة العقوبات الاميركية التي يمكن أن تشمل لاحقاً حتى بعض حلفاء الحزب الموجودين خارج ​البيئة​ الشيعية.

وتعتبر هذه الشخصية انّ «الحكومة مدعوّة الى «شدشدة براغيها» والخروج من حالة عدم الاكتراث الى حالة تحمّل المسؤولية والدفاع عن أبنائها، لأنّ تجاهل ما يحصل والامتناع عن أيّ تحرّك اعتراضي سيشجعان ​الولايات المتحدة​ على الاستمرار في سياسة الحصار وتوسيع نطاقه».

ولا يخفي الحزب امتعاضه الشديد من كون بعض ​المصارف​ والمؤسسات اصبحت أميركية اكثر من الاميركيين، الامر الذي لم يعد بإمكانه أن يتقبّله.

والأسوأ بالنسبة الى الحزب، ليس النهج الاميركي المعروف بعدائيته حيال ​المقاومة​، وانما ما يصفه بـ«تواطؤ بعض «أحصنة طروادة» مع واشنطن، إما لجهة التحريض والتشجيع على فرض عقوبات، وإما لجهة التبرع بتقديم خدمات وتسهيلات للاميركي»، الامر الذي يشكل خطراً مباشراً على بيئته التي تمثل عمقه الاستراتيجي.

ويبدو انّ الحزب اتّخذ قراراً بأن يتعامل بأقصى درجات الجدّية والحزم مع التهديد المتأتّي من العقوبات، لكنه لم يحسم بعد أنماط الرد وأشكاله. وعُلم أنّ الخيارات المحتملة ستخضع لنقاش داخل دوائر الحزب من جهة، ومع الحلفاء، من جهة أخرى، وصولاً الى حسم وجهة التعامل مع الحصار الاميركي، والإجراءات التي يمكن اتّخاذُها لاحتوائه ولجم تداعياته.

ويؤكد المواكبون لمجريات الامور في قلب الحزب أنّ مسؤوليه وكوادره لن يتأثروا بالعقوبات الاميركية لأنهم خارج مدى الإصابة، بفعل انعدام أيّ صلة لهم بالآليات المصرفية المتّبعة وبالمنظومة المالية- الاقتصادية التي تتحكّم بها واشنطن.

لكن ما دفع نصرالله أخيراً الى رفع اللهجة والتلويح بفرض قواعد اشتباك مالية، وفق القريبين من الحزب، «هو التمادي الحاصل في استهداف مؤسسات وشخصيات تحمل الهوية الشيعية، انما من دون أن يكون لها ايّ ارتباط بـ«حزب الله»، لا تنظيمياً ولا معنوياً، بل إن بعضها معروف بتمايزه عن سلوك الحزب وأدبياته».

وضمن هذا السياق، يُنقل عن مرجع رسمي كبير اتهامه الولايات المتحدة بأنها «تمارس ​العنصرية​ عبر استهداف عقوباتها فئةً محدّدة من اللبنانيين، من دون معايير محددة».

وتعتبر شخصية نيابية حليفة لـ«حزب الله» انّ الحصار الاميركي المتصاعد قد يدفع البعض الى المطالبة بإعادة النظر في التزام لبنان بقوانين تتعلق بتبييض الأموال و​مكافحة الإرهاب​، كان قد أقرّها تحت الضغط الاميركي والدولي، على قاعدة أنها ضرورية لحمايته وتأمين شبكة امان لقطاعاته المالية والاقتصادية.

ويلفت المصدر النيابي نفسه الى انّ تلك القوانين، وعددها أربعة، ألزمت لبنان بتعقيدات تفيض عن الحدّ الضروري والمطلوب، ما أفضى الى خسارة فرصة استقطاب بعض رؤوس الأموال والاستثمارات التي تحوّلت في اتّجاه عواصم عربية لم تتقيّد بالشروط المحددة، من دون أن نربح في المقابل الحماية المفترضة، بفعل تفلّت الولايات المتحدة من كل الضوابط، الامر الذي وضع لبنان ضمن أسوار معادلة loose- loose.