جاء وعد رئيس ​الحكومة الاسرائيلية​ ​بنيامين نتانياهو​ عن ضم غور الأردن في زمن إسرائيلي حسّاس. فالمرشّح إلى إنتخابات مصيرية يلعب كلّ أوراقه. هو يعرف أن مشروع الضم يجذب الإسرائيليين، وخصوصاً اليمين الذي إحتفل مؤيدوه بتلك "الخطوة التاريخية". سبق وطالبوا بخطوة رسمية تُترجم ما أقدمت عليه عمليّاً تل أبيب سابقاً في ضم الغور ثم كل الضفة. يعتبر معظم الإسرائيليين ان "ضم الغور سبق وحدث منذ زمن، والضفّة أيضاً". لأنّ الخط الأخضر مُحي، ولم تعد هناك مستوطنات بل تحوّلت كلّها إلى بلدات. لكن رمزية الإعلان عن الخطوة بشكل رسمي ونهائي، تأتي إنطلاقاً من الزعم الإسرائيلي بشأن "إستمرار البقاء في يهودا والسامرة".

عندما خاطب نتانياهو الإسرائيليين بطلبه "نيل التفويض الواضح لبسط السيادة على كل البلدات"، أراد أن يلعب تلك الورقة الخطيرة "كأول مسؤول إسرائيلي يُقدم على الطلب من الإسرائيليين حسم أمر المكوث في يهودا والسامرة، منذ حرب الأيام الستّة". لكن خطورة الورقة تكمن في مدى الإستجابة الاسرائيلية لطلب نتانياهو. قد يكون رئيس الحكومة في تل أبيب غامر بتلك الخطوة: هل سيستجيب معظم الإسرائيليين لطلبه؟ هل ستتم الترجمة في الصناديق؟ سبق وأن تعاطى الإسرائيليون بإيجابيّة مع طرح ​إيهود أولمرت​ بإخلاء مستوطنات قطاع غزّه، وفاز بأغلبية واضحة نتيجة قراره الإنسحاب من القطاع وسحب فتيل الأزمة مع الفلسطينيين هناك. لذلك، قد يُقدم الاسرائيليون على مشاكسة نتانياهو المتهالك بعدم الإستجابة لطلبه، ورفع نسبة التصويت لليسار كرد فعل إضافي على سياسياته اليمينية غير المنتجة.

يعرف نتانياهو أن الإعلان عن الخطوة سيستحضر الردود الكلامية العربية التي صمتت عند بناء المستوطنات وأثناء الضم الفعلي على الأرض، مما يجيّش الإسرائيليين تأييداً لرئيس حكومتهم عبر صب الأصوات له في صناديق الإقتراع. هذا الإعتقاد عند نتانياهو يزيده من الشحن ضد العرب، إلى حد وصل به القول: العرب يريدون إبادتنا جميعاً. مما إستدعى وصف رئيس القائمة العربية له بالمختل عقلياً.

وإذا كان نتانياهو يتغنّى بقدراته الدولية في علاقات مميزة مع الجبابرة الاميركيين والروس والصينيين، فهو قصد روسيا الإتحاديّة والتقى رئيسها ​فلاديمير بوتين​ وتقصّد دعوته لزيارة تل أبيب، كي يوحي للإسرائيليين الذين يدورون في الفلك الروسي انه الأقدر على إبقاء موسكو وتل أبيب حليفين متينين، كضمانة وجودية للإسرائيليين في ظل قوة "محور المقاومة" من غزه الى جنوب لبنان وسوريا فالعراق وايران. لكن موسكو كانت أرسلت اشارات سبقت وصول نتانياهو الى روسيا تحّدثت فيها عن إنزعاج من وعد ضم غور الأردن. تعتقد روسيا أن الخطوة تطيح بكل مشاريع السلام المطروحة لانها تضرب مبدأ "الحل على قاعدة الدولتين". بالتأكيد سمع نتانياهو من بوتين هذا الرأي، لكن خوض المعركة عنده الآن هي مسألة بقاء أو سجن. هو لا يريد ان يكون كأولمرت مسجوناً بجرم فساد.

فنلفترض ان نتانياهو فاز في الإنتخابات الإسرائيليّة. سيذهب لتنفيذ وعوده. سيعلن عن ضم الغور. سيزيد من معاداة الفلسطينيين. سيطيح بكل مشروع جرى تسويقه تحت عنوان "السلام". لن يكون هناك حلّ على أساس دولتين كما تنادي عواصم العالم. سيقف معه ​البيت الأبيض​ بالتأكيد. سيحكم في رئاسة الحكومة ولن يُزجّ في السجن. كل ذلك يعني ان تل أبيب مقبلة على حرب قاسية. سيعيش الإسرائيليون في عصر الحروب المفتوحة من كل إتجاه، أساسها من الداخل الفلسطيني، لأن الشعب الفلسطيني في الضفة الغربيّة سيقاتل من أجل وجوده وأرضه. لأن الضفة ستلحق الغور. عندها سيتضامن الفلسطينيون مع بعضهم. لا فرق بين أبناء غزه او أبناء الضفة. لا إختلاف حينها بين حركتي "فتح" و"حماس". الكل سينخرط في آخر المعارك للحفاظ على الذات. إنها معركة الحياة.