على هامش الأزمات المتعددة التي تشهدها الساحة ال​لبنان​ية، يبدو أن هناك من يسعى إلى استهداف المؤسسة العسكرية، وهو ما ظهر تباعاً من خلال العديد من الملفات التي برزت في الفترة الماضية، من مناقشات الموازنة العامة إلى أزمة متعهدي تأمين الغذاء وصولاً إلى الترويج لصور لقائد ​الجيش اللبناني​ ​العماد جوزاف عون​، يظهر فيها إلى جانب العميل ​عامر الفاخوري​ خلال زيارته السابقة إلى ​الولايات المتحدة الأميركية​، وكأن المطلوب منه التدقيق في هوية كل من يقترب منه لالتقاط صورة ما، مع العلم أن المناسبة كانت لقاء مع الجالية هناك، وبالتالي من الطبيعي ألاّ يمانع أي مسؤول في الموافقة على أخذ صورة معه.

قد يظن البعض أن تتابع هذه الأحداث قد يكون أمراً طبيعياً، لكنه أمر ينبغي التوقف عنده ملياً، خصوصاً أن الترويج لصورة أحد العمداء الذين رافقوا العميل الفاخوري لم يكن بريئاً، نظراً إلى أنها لا تعود له بل إلى مدير المخابرات في الجيش العميد طوني منصور، وبالتالي ينبغي السؤال عمّن يسعى إلى نشر معلومات أو شائعات من دون التدقيق بها، لا سيما أنه في جميع دول العالم لا يحصل مثل هذا الأمر مع المؤسسة العسكرية، التي تعتبر خط الدفاع الأول عن الوطن، ولهذه المؤسسة قيمة معنوية في لبنان لا يمكن تجاهلها بأي شكل من الأشكال، والجميع يدرك أهميتها.

هذا الواقع، يدفع إلى ضرورة تجديد الدعوة إلى إبعاد المؤسسة العسكرية عن كل التجاذبات السياسية، خصوصاً أنها لا تتردد عندما يكون هناك أي خطأ في التحقيق به والذهاب إلى المحاسبة، وهو ما حصل للعميد المتهم بمرافقة العميل الفاخوري، حيث سارعت المؤسسة العسكرية إلى الإعلان عن أنها تقوم بمعالجة هذا الموضوع بالأطر والطرق القانونية المناسبة.

في هذا السياق، ينبغي الإشارة إلى إرسال كتاب إلى النيابة العامة العسكرية، يوم أمس، يتعلق بمضمون ما ورد في بعض ​وسائل الاعلام​ حول 80 ألف فاتورة عليها مشاكل ينقصها مستندات، نقل عن وزير المالية ​علي حسن خليل​ أنه لن يقع تحت ضغط المتعهدين والتجار والمتواطئين مع بعض الضباط، ودعوته إلى اعتبار هذا الكتاب بمثابة إخبار وإجراء التحقيقات اللازمة مع المعنيين في الملف، وكل من يظهره التحقيق فاعلاً أو متدخلاً أو شريكاً، الأمر الذي يؤكد أنه ليس هناك ما يحول دون المحاسبة عندما تدعو الحاجة.

هذا السلوك، الذي تعتمده المؤسسة العسكرية، ينبغي أن يكون نموذجاً يعمم على باقي المؤسسات التي تغيب فيها المساءلة والمحاسبة بالرغم من التجاوزات التي يعرفها الجميع، بدل أن يسارع البعض إلى استهدافها عند كل مناسبة، لا سيما أن لضرب معنويات عناصرها وضباطها وقيادتها تداعيات ليس من السهولة في مكان تجاوزها، في حين أن المطلوب أن تبقى بعيدة عن كل هذه الأفعال، نظراً إلى أنها لا تزال المؤسسة التي تراهن عليها الأغلبية الساحقة من اللبنانيين في الأوقات الصعبة.

أمام هذا الواقع، من الضروري طرح الكثير من علامات الاستفهام حول أهداف الجهات التي تقف وراء كل ما يحصل، وما الذي تريده من وراء كل ذلك، خصوصاً أن ما جرى في البلدان المجاورة، في السنوات الماضية، لا يزال حاضراً في الأذهان، لناحية استهداف الجيوش في تلك البلدان، وبالتالي المطلوب تحصين المؤسسة العسكرية اليوم أكثر من أي وقت سابق، بدل إدخالها في لعبة التجاذبات السياسية المعروفة، من دون تجاهل السعي إلى تعزيز قوتها، لا سيما أنها كانت المبادرة إلى اتخاذ إجراءات تقشفية عندما دعت الحاجة، بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد.

في المحصلة، حملات التجنّي القائمة، لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي، من الضروري أن تتوقف سريعاً، لأن هذه اللعبة لا أحد يعرف إلى أين من الممكن أن تصل.