"نمط" جديد بدأ يحكم أداء المسؤولين في مقاربة الملفات، وهو إعطاء الأولوية ل​مكافحة الفساد​ حتى ولو جاء بمسميات شتّى، فالمشكلة الحقيقية في البلد أن الفساد بلغ مرحلة لم يعد بالإمكان السكوت عنها... المواطن مستعد للقيام بما هو مطلوبٌ منه "وعلى قلبه مثل العسل" ولكن بشرطٍ واحدٍ وهو: كافحوا الهدر والفساد.

***

وما يُدخِل الإرتياح إلى قلوب الناس أن عملية مكافحة الفساد لم تعد مجرّدَ أُمنية بل أصبحت قرارًا دخلَ حيّز التنفيذِ وهذا القرارُ مُتخذٌ من رأس الهرمِ في ​الدولة​ وهو ​رئيس الجمهورية​.

الرئيس عون يضع الاولوية في جدول يومياته على هذا الملف، لا يمر يومٌ في نشاطه، سواء المعلَن أو غير المعلن، من دون ان يعالج ملفًا أو يعطي تعليمات بفتح ملف.

أحدث الخطوات التي تمت المباشرة بها ان رئيس الجمهورية أعطى توجيهاته إلى الوزراء المعنيين لتحريكِ الأجهزةِ المختصة من قضائيةٍ ورقابيةٍ لفتح ملفات رؤساءِ بلدياتٍ ومجالس بلدية "طلعت ريحتهم" لجهةِ التجاوزات التي قاموا ويقومون بها ولم يعد بالإمكان التستّرُ عليها. وما كان رئيس الجمهورية يلح في هذا المجال، لولا التقارير التي تملأُ مكتبه عن انتهاكاتٍ للقانون وتجاوزاتٍ باتت يومية لبعضِ رؤساءِ البلديات. ومن شأنِ هذه التجاوزات ان تعرقلَ أعمال الناس وكذلك اتاحت الإثراء الفاحش لبعض هؤلاء وعائلاتهم، وقد بدأ أحدُ الأجهزةِ بإعداد ملفّ شاملٍ عن وضع هؤلاء وسيوضَع الملفُ قريبًا على طاولةِ فخامة الرئيس.

***

وعلى قاعدة ان كل قرش يُصرَف يجب أن يُعرَف إلى أين يذهب، فإن وزير ​المال​ ​علي حسن خليل​ يؤكد يومًا بعد يوم أنه حريص على كل قرش يُصرَف خصوصًا

انه أنجز أرقام موازنة العام 2020، وهو يستعدُّ لمناقشتها والدفاع عنها حين يتمّ وضعَها على جدول أعمالِ ​مجلس الوزراء​، وانطلاقًا من هذا الحرصِ فإنه يدافع عن كل خطوةٍ يخطوها غير عابئ بالحملات التي تُشنّ عليه.

في هذا السياق يجزم وزير المال بأنه صامدٌ على خياراته: ويكشف أنه مهما علت الاصوات المريبة فإنه لن يكونَ لقمةً سائغةً لبعض متعهدي الأغذية والتجار المتواطئين. ويفجِّر وزيرُ المال في هذا الإطار قنبلةً لها علاقة بالهدر فيكشف ان هناك 80 ألف فاتورة غذاءٍ تشوبها عيوبُ نقصانِ المستندات، ولهذا السبب فهي مجمّدةٌ ولن يتمّ السيرُ في صرفها قبل التدقيقِ فيها وقبل بلوغِها الأصولَ القانونية. أما في ما عدا ذلك فإن صرف فواتير الغذاء قائمة على قدم وساق.

***

هذه عينات مما يجري، والمطلوب السير في هذا الإطار لأن لا إصلاح من دون كشف المتورِّطين، وإعلام الرأي العام من هم وما عقابهم، وإلا أصبحت الناس لا تصدّق إلا ان هناك هدرًا وفسادًا وحالتهم من سيئ الى اسوأ.