لا يبدو حلفاء "​حزب الله​" في موقفٍ يُحسَدون عليه في هذه المرحلة. سيف ​العقوبات الأميركية​ لا يزال مصلتاً عليهم، بل إنّ كلّ المؤشّرات تدلّ على أنّ قائمة تشمل بعض أسمائهم جاهزة، وإن كان كثيرون يراهنون على أنّ الاتصالات السياسية نجحت في "تجميدها" حتى إشعارٍ آخر.

بيد أنّ هذا الرهان تراجع كثيراً بعد الجولة "الاستطلاعية" التي أجراها مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر في بيروت، والتي ختمها بإعلانٍ مثيرٍ للجدل وعد فيه بأنّ العقوبات ستطاول في ​المستقبل​ من وصفهم بـ"المساندين لحزب الله" بغضّ النظر عن طائفتهم.

وكأنّ هذا "الترهيب" الأميركي لا يكفي، ثمّة من يعتقد أنّ "الحزب" يضاعف، بالترغيب، من هذا "الإحراج"، من خلال بعض المواقف التي يطلقها، وآخرها تكرار أمينه العام ​السيد حسن نصر الله​ عبارات الولاء ل​إيران​ ومرشدها السيد ​علي خامنئي​، وصولاً إلى رفع شعار أنّ "إمامنا وقائدنا وسيدنا وعزيزنا وحسيننا في هذا الزمان هو الإمام الخامنئي"...

عقوبات جديدة؟!

صحيح أنّ العقوبات الأميركية على "حزب الله" لم تخرج حتى الآن من الدائرة الشيعية الضيّقة، ولو لم تقتصر على من يمكن وصفهم بـ"المحازبين والملتزمين"، على حدّ ما يؤكّد العارفون، إلا أنّ الحديث عن عقوباتٍ على حلفاء الحزب من غير الشيعة، وخصوصاً من المسيحيّين، يعود إلى الواجهة بين الفينة والأخرى، تارةً على شكل تسريباتٍ إعلاميّة، وطوراً من خلال تصريحاتٍ تبدو ملتبسة لكثيرين.

وإذا كان رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ نجح في زيارته الأخيرة إلى واشنطن، في حصر التداول الإعلامي بالأمر، بعدما قيل إنّه نجح في إقناع الأميركيين بأنّ فرض عقوبات على حلفاء "الحزب"، وخصوصاً على وزراء أساسيّين في الحكومة، لن يصبّ في مصلحة أحد، فإنّ الأميركيين أنفسهم أعادوا التلويح بالأمر، على هامش الزيارة "الاستطلاعية" التي قام بها المبعوث الجديد إلى ​لبنان​ ديفيد شنكر.

قالها شنكر صراحةً: "في المستقبل سنعلن ضمن العقوبات عن أسماء أشخاص جدد يساندون حزب الله، بغض النظر عن طائفتهم ودينهم". كلامه جاء بالتوازي مع عقوباتٍ جديدة فرضتها واشنطن على أربعة أفراد من "حزب الله"، في ذكرى هجمات الحادي عشر من أيلول. إن دلّ ذلك على شيء، فعلى أنّ مسار العقوبات مستمرّ في مسارٍ يبدو تصاعدياً، بعدما ضرب القطاع المصرفيّ سابقاً، وأنّ الهدف ليس إرضاخ "الحزب" فقط، ولكن "عزله" عبر إبعاد حلفائه عنه، بشكلٍ أو بآخر.

ويقوم المنطق الأميركي على أنّه إذا كان "حزب الله" يتمسّك بمقولة أنّه لن يرضخ للعقوبات، بل أنّ لا أثر لها عليه باعتبار أنّ ليس لديه حسابات مصرفية أساساً، ولا زيارات إلى الولايات المتحدة على أجندته، رغم "التشكيك" بهذه الرواية، فإنّ الأمر لن يكون مشابهاً متى وصل إلى الحلفاء، ممّن لا يتمسّكون بالعلاقات الجيّدة مع واشنطن فحسب، ويدركون أنّ العداء معها لن يصبّ في صالحهم، بل ممّن لديهم مصالح مباشرة في الولايات المتحدة، ما يعني أنّ أيّ عقوباتٍ عليهم سيكون لها تداعيات شديدة السلبية على واقعهم، وهو ما لن يستطيعوا إنكاره.

إحراجٌ مضاعَفٌ؟

بالنسبة إلى المقتنعين بنهج "حزب الله"، فإنّ الأخير لا يتحمّل مسؤولية "الترهيب" الأميركي الحاصل، وتلويح واشنطن بالعقوبات هنا وهناك، إذ إنّ "الحزب" الذي ارتبط منذ انطلاقته بشعاراتٍ ثابتةٍ لعلّ أبرزها "الموت لأميركا" الذي يأتي مباشرةً في الدرجة الثانية بعد "الموت لإسرائيل"، لم ينشد يوماً رضا واشنطن، التي لطالما اعتبرها الطرف "الأصيل" في الحروب الإسرائيلية ضدّه، بل كان دائماً يكرّر أنّ عقوباتها عليه "وسام شرف" بالنسبة إليه.

من هنا، يرى هؤلاء أنّ العقوبات هي نتيجة لا يتحمّلها "الحزب"، وأنّ توسيع العقوبات لتشمل حلفاءه، بعدما فشلت في تحقيق الغايات المنشودة منها، ليس سوى أداة "ابتزاز" تستخدمها الولايات المتحدة لعزل الحزب، علماً أنّ المقرّبين من "الحزب" يصرّون على أنّ نتائجها حتى الآن "عكسية"، ما سيستدعي إعادة نظر واشنطن بها قبل توسيعها أكثر، خصوصاً أنّ الالتفاف الشعبي، الشيعي بالحدّ الأدنى، يتضاعف توازياً مع الترويج لفرضيات "المؤامرة" وما شابهها.

لكن، أبعد من الترهيب الأميركي، ثمّة من يطرح علامات استفهام عن بعض المواقف التي يصرّ "الحزب" على تكرارها، بما "يحرج" حلفاءه، كما حصل في خطاب نصر الله الأخير في ذكرى عاشوراء، حيث كرّر عشرات المرات عباراتٍ مثيرةٍ للجدل في الداخل اللبناني، على غرار أنّ "إمامنا وقائدنا وسيدنا هو الإمام الخامنئي"، وأنّ "الجمهورية الإسلامية في إيران هي قلب المحور وهي مركزه الأساسي وهي داعمه الأقوى"، وصولاً إلى حدّ الإعلان الصريح بانّ "الحزب" لن يكون على الحياد، في حال اندلاع أيّ مواجهة مع إيران.

قد يكون نصر الله أراد بهذا الكلام أن يقول إنّه جزءٌ من المواجهة، باعتباره جزءاً من المحور، وأنّ المحور الآخر هو من أدخله بها أصلاً، عبر العقوبات عليه كجزءٍ من العقوبات المفروضة أصلاً على إيران، في إطار جمع أوراق القوة عشيّة المفاوضات المفترضة، بيد أنّ مثل هذا الكلام، الذي أعاد إلى الأذهان موقفاً سابقاً لنصر الله قال فيه إنّه يفتخر أن يكون "جندياً في ولاية الفقيه"، أتى ليحرج بعض الحلفاء، الذين ينفون أيّ "تبعية" لمحورٍ من هنا أو هناك، ويصرّون على أنّ دعمهم لـ "الحزب" يأتي لأنه يدافع عن السيادة اللبنانية في وجه أيّ اعتداءاتٍ ضدّها، ولا شيء غيرها.

بنك أهداف!

قد يكون "تهرّب" بعض النواب من الأحزاب "الحليفة" لـ "حزب الله"، من التعليق على الخطاب الأخير لنصر الله، دليلاً على "الإحراج" من بعض المواقف التي تضمّنها، ولو ركّز هؤلاء على الجزئية المتعلّقة بالتمسّك ب​القرار 1701​ في الخطاب، دون غيرها.

وإذا كان "حزب الله" يتفّهم في مكانٍ ما "خصوصيّة" هؤلاء الحلفاء، فإنّ تسريباتٍ تتحدّث عن أنّ "الإحراج" سيستمرّ فصولاً، خصوصاً في ضوء الحديث عن "بنك أهداف" وضعه الحزب نصب عينيه لمواجهة العقوبات، لا يجمع بنوده سوى "تحدّي" واشنطن، وصولاً إلى التلويح ببدائل للتعاطي معها، ومحاصرة قواعدها شعبياً.

وبين هذا وذاك، يبقى الأكيد أنّ المواجهة مع "حزب الله" وحلفائه ومسانديه، خرجت عن السيطرة اللبنانية، وهي تبقى مرهونة بمسار المعركة الكبرى مع إيران، بمُعزَلٍ عن كلّ ما يقوله "الحزب"، أو يعتقده حلفاؤه، أو حتى يتمنّاه خصومه...