كواليس الوسط السياسي لا تخلو من الحديث عن إمكانية حصول لقاء مهم على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة بين رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية حسن روحاني والرئيس الأميركي دونالد ترامب، فهناك الكثير من التسريبات والتحليلات ترجح حصول اللقاء بين الرئيسين مستندة إلى جود مناخات سياسية ملائمة شرط تقديم تنازلات من كلا الفريقين، بيد أن بعض المضطلعين أكدوا حصول اللقاء وحددوا تاريخ الثامن والعشرين من الشهر الحالي موعداً لحصول اللقاء بين الرجلين، مستندين بذلك إلى نجاح الوساطة الفرنسية التي أسفرت عن زيارة وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف إلى فرنسا وذلك أثناء انعقاد مؤتمر «جي 7»، الأمر الذي اعتبر تمهيداً لإنتاج أجواء إيجابية ستتوج باجتماع ثلاثي بين الرؤساء الأميركي والإيراني إضافة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

إشاعة أجواء تفاؤلية عن حصول لقاء بين روحاني وترامب ارتكزت إلى تطور إيجابي بعد تسريب أنباء عن نية ترامب تخفيف العقوبات المفروضة على إيران والإعلان عن تمديد الإعفاءات التي كانت ممنوحة لبعض البلدان بالسماح لها بشراء النفط الإيراني وذلك كبادرة حسن نية من ترامب تجاه إيران، على أن تترجم بلقاء مرتقب بين ترامب وروحاني.

البعض ينسب إقالة مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إلى تلبية أميركية لطلب إيراني مسبق كشرط لحصول الاجتماع بين الرئيسين وهذا ضعيف جداً لأن إيران ليست في وضع يمكنها من فرض شروط على أميركا ولأن ترامب في وضع يمكنه بلوغ سقف الشروط الإيرانية المحددة وهي عودة أميركا للاتفاق النووي ورفع كامل للعقوبات الأميركية، لأن مثل تلك الخطوة بالنسبة لترامب هي السم الزعاف وخصوصاً أن ترامب على أبواب حملة تجديد ولايته في البيت الأبيض.

إقالة بولتون جاءت نتيجة إخفاق خططه في كل من ملفات فنزويلا وأفغانستان إضافة إلى عدائه المستحكم لروسيا، ولا ننسى إخفاق مهمته فيما يخص ملف كوريا الديمقراطية وإصراره على نزع سلاحها النووي من دون تقديم أي التزام أميركي برفع العقوبات عنها، وصولاً إلى إصراره على تنفيذ قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس وقرار ضم الجولان السوري المحتل إلى سيطرة الكيان الصهيوني كهدية لإسرائيل على حساب سمعة أميركا كلاعب وسيط في تحقيق حل الدولتين.

إقالة بولتون كان لها وقع الصدمة في إسرائيل لأن الإقالة عطلت تنفيذ إستراتيجية إسرائيلية تقود إلى توريط أميركا بحروب عسكرية ضد إيران وكذلك ضد حزب الله في لبنان وضد الحشد الشعبي في العراق والتي كان بولتون نفسه يدفع باتجاه تنفيذ تلك الحروب لمصلحة الأمن الإسرائيلي، وبذلك نستطيع القول إن إقالة بولتون تعني إقالة الذراع الإسرائيلية الأقوى من الإدارة الأميركية ما يسهم في زيادة الشقة بين رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو وبين ترامب الراغب في إعادة ترتيب أولويات أميركا في الملفات الخارجية، إضافة إلى الملفين الإيراني والصيني.

وللتأكيد على ذلك نعود إلى فترة ما قبل إقالة بولتون، فإن ترامب أسرّ لمقربين منه عن خطأ قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس واكتشافه بأن من ورطه باتخاذ هذا القرار هو الثنائي بولتون نتنياهو، معلناً عن امتعاضه، واصفاً بولتون بأنه إنسان صارم لكنه غبي ولا يتمتع بالذكاء، الأمر الذي يقودنا إلى استنتاج يؤكد فقدان الكيمياء على الصعيد الشخصي بين ترامب وبين رجل نتنياهو في البيت الأبيض بولتون ومن ثم بين ترامب ونتياهو نفسه المدعوم بقوه من بولتون.

وبالتزامن مع انعقاد مؤتمر «جي7» في فرنسا دار حوار عالي النبرة بين يائير بنيامين نتنياهو، ابن رئيس وزراء الكيان الصهيوني، وبين مارتن أندك الذي كان سفيراً لأميركا في الكيان الصهيوني، وذلك عبر منصة التويتر جرى خلاله تبادل الاتهامات بين الطرفين حين كشف يائير نتنياهو أن والده اتصل بترامب أربع مرات متتالية بهدف تعطيل زيارة وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف إلى فرنسا أثناء انعقاد مؤتمر «جي 7»، لكن ترامب تجنب الرد على اتصالات نتنياهو الأب، كما أن نتنياهو نفسه حاول ثني ماكرون عن استقبال ظريف في فرنسا، لكن نتنياهو أخفق في إقناع ماكرون الذي أصر على استقبال ظريف معللاً ذلك بأن تنفيس الاحتقان في المنطقة فيه مصلحة للجميع.

في إحدى التغريدات لابن نتنياهو ألقى باللائمة على ترامب لأنه لا يستمع لوالده ولا يعمل على تلبية طلبات والده، لكن أندك جاوبه بأن ترامب كان يعلم طلب أبيك، لكن ترامب نفسه راغب في دفع التقارب قدماً مع إيران للوصول إلى اتفاق جديد معها، وهو أي ترامب يتجنب أي عامل من شأنه تعطيل التقارب، ويضيف أندك قائلاً: علمت أن ترامب يتجنب الإجابة على اتصالات بولتون أيضاً وأعتقد أن ترامب اتخذ قراراً بإبعاد بولتون عن بعض الملفات الحساسة، وأكمل أندك قائلاً: يائير إن والدك بنيامين لا يتصل إلا في حالة الضائقة ولتعلم يا يائير أن ترامب لديه مشاغل وملفات كبرى ولا رغبة عنده في رعاية مصالح أبوك الشخصية أو تأمين ما يحتاجه والدك من خدمات انتخابيه.

بعد هذا العرض نستطيع التعرف إلى خلفيات قرار نتنياهو المنفرد وغير المنسق مع البيت الأبيض بضم الضفة الغربية وغور الأردن إلى سلطة الكيان الصهيوني، ومن هنا نستطيع إدراك سبب الموافقة الأميركية المسبقة على انتفاض الأردن والسعودية والإسراع بطلب انعقاد اجتماع طارئ لمنظمة المؤتمر الإسلامي رفضاً لقرار نتنياهو.

إيران من جهتها وضعت شروطها وحددت سقفها لكن هناك من يؤكد حصول تنازل من الطرفين.

وعن حقيقة الموقف الإيراني من إقالة بولتون يقول مسؤول إيراني مخضرم سابق: إن إيران لا تهتم لإقالة بولتون فقبله تمت إقالة كل من فلين وماكماستر ولم تتغير السياسة الأميركية تجاه إيران وعن إمكانية حصول لقاء بين روحاني وترامب.

ما زالت صورة اللقاء المفترض بين المسؤولين من الولايات المتحدة الأميركية وإيران مستبعدة بغض النظر عن مستوى هذا اللقاء، لأن صاحب القرار الأول في إيران في مثل تطور كهذا هو المرشد الأعلى السيد علي خامنئي الذي يضع خطاً أحمر عريضاً على أي خطوة من هذا النوع على اعتبارها من دون جدوى ولأنها تقدم هدايا مجانية لا لزوم لها، وهو الذي وصف الحوار مع أميركا بالسم الزعاف.

ما لم يقله خامنئي وبقية المسؤولين من رئيس الجمهورية إلى وزير الخارجية هو أن الثمن الحقيقي لحصول اللقاء لن يكون أقل من رفع كامل للعقوبات الأميركية النفطية عن إيران.

بقي أن نشير إلى استحالة حصول اجتماع بين روحاني وترامب قبل العثور على ترياق فعّال للسم الزعاف.