لم يتأثر ​لبنان​ بكونه بلداً صغير المساحة، ولا يكون مشاكله اكبر حجماً منه، ولا بأنه يقع في منطقة جغرافية ساخنة لا بل تغلي بين الحين والآخر، اذ انه نجح في اكثر من مناسبة في توجيه صفعة تلو الاخرى ل​اسرائيل​ في المحافل الدولية وفي مقدمها ​الامم المتحدة​. ومن النادر جداً رؤية انتصار اسرائيلي على لبنان دبلوماسياً في الامم المتحدة او ​مجلس الامن​، ولكن في الوقت نفسه، من النادر اكثر رؤية قرارات تطبّق يكون مضمونها ضد اسرائيل.

منذ يومين، شهدت اروقة الامم المتحدة تصويت الجمعية العامة على اقامة "اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار" في بيروت، واتت النتيجة لصالح هذا المشروع بغالبية 165 صوتاً مقابل معارضة صوتين: اميركا واسرائيل. وفي حين كانت الاسباب التي عددها المندوب الاميركي ادارية وليست جوهرية، وخصوصاً انه اشاد بلبنان ومساعيه من اجل التقارب بين ​الديانات​ والثفاقات، استغلت المندوبة الاسرائيلية المناسبة وشنّت حملة على لبنان واللبنانيين لم تلق صدى ولا اذاناً صاغية في القاعة.

ولكن، لا يجب ان تمر هذه الحادثة مرور الكرام، فمعارضة ​الولايات المتحدة​ لم تكن بسبب عدم تمتع لبنان واللبنانيين بالتسامح والميل نحو السلام، على غرار ما قالت المندوبة الاسرائيلية، بل تعمّد المندوب الاميركي ان يسلط الضوء على بعض النواحي الادارية التي منعت بلاده من التصويت لصالح القرار. وهذا ان دلّ على شيء، فعلى مدى اقتناع العالم اجمع ان لبنان هو فعلاً بلد يدعو للسلام والتعايش، رغم كل الظروف والصعوبات التي يمرّ بها، وان يصدر مثل هذا الموقف من مندوب اميركا في عهد الرئيس الحالي ​دونالد ترامب​ الذي قدّم لاسرائيل هدايا لم تحصل عليها طوال تاريخها، هو محط تقدير واحترام للبنان. ولم تكن واشنطن فقط من تخلى عن الذريعة الاسرائيلية (رغم وقوفها الى جانبها في التصويت)، بل العالم كله وبالاخص الاتحاد الاوروبي الذي كانت كلمات ممثله في الجمعية العامة اكثر من مشيدة بلبنان وبمزاياه وجهوده من اجل نشر قيم السلام والتسامح، ليبدو وأن اسرائيل هي الوحيدة التي تغرّد خارج السرب.

تطرقت المندوبة الاسرائيلية الى قضية حزب الله وايران، وهو امر لم يتطرق اليه المندوب الاميركي، ولم ير فيه مندوب الاتحاد الاوروبي اي سبب يدعو الى سحب الثقة من لبنان في انشاء هذه الاكاديمية واستضافتها، وهذه نقطة ضعف مهمّة عانت منها اسرائيل. وفي حين انه صحيح ان لبنان ليس بلداً مثالياً ولا تسود فيه مبادىء التسامح وحقوق الانسان بشكل كامل، الا انه يسعى الى ذلك وقد خطا خطوات عملية كبيرة في هذا المجال، في حين ان اسرائيل "التي تحاضر بالعفة"، لم تنجح في اخفاء كذبها على العالم بادعاء مندوبتها دعم قيم السلام والتسامح، وهو قول تدحضه بشكل مطلق ممارساتها بحق الفلسطينيين وقتلها للنساء والاطفال، اضافة الى استمرار سياستها الاستيطانية وضربها لقرارات الامم المتحدة ومجلس الامن عرض الحائط. نجح لبنان دبلوماسياً حيث فشلت اسرائيل، ولولا الدعم المطلق لها من قبل اميركا وتأييد بعض الدول لها سياسياً، لكانت اليوم تخضع لعقوبات قوية وعنيفة بسبب ممارساتها وتمردها على ​المجتمع الدولي​، ولكن لبنان نجح في افشال الصورة التي يريد ان يظهرها المسؤولون الاسرائيليون بكون اسرائيل مساحة الحرية والديمقراطية، ووجود الاكاديمية على ارض لبنان اثبات سيبقى للتاريخ، على ان لبنان بلد ديمقراطي فيما تنحو اسرائيل نحو الدولة الدينية المحض من خلال اعلان عزمها على ان تكون دولة يهودية.

تتلقى اسرائيل من لبنان صفعات متتالية، ويبقى ان نعرف مصير هذه الحرب الباردة القائمة والتي تتزامن مع حروب ساخنة متفرقة وقصيرة تحصل بين الحين والآخر.