البلد ليس على شفير الأزمة بل في قلب الأزمة، لم تعد المكابرة تنفع على الإطلاق، ومن علامات الهاوية:

الدواء و​القمح​ و​المحروقات​ تُستورَد ب​الدولار​ وتُباع ب​الليرة اللبنانية​.

وهذه الأزمة على الطريق، فهل نعود نصف قرن إلى الوراء لنُخزِّن ​البنزين​ بالغالونات ولنضع كيس طحين في كل منزل "على أساس ان الإحتياط واجب"؟ ولكن ماذا نفعل بالدواء؟

هل هذا هو "معنى" انتهاء الحرب وبدء مرحلة السلم وإعادة الإعمار؟

على الأقل أيام الحرب لم يكن علينا مئة مليار دولار دينًا!!!

***

في أي حال، يحتاج المستورد الى دولارات لأعادة الاستيراد، يحاول تأمين الدولار فلا يجده، يطلبه من الصيارفة فيأتيه الجواب ان السعر يتجاوز 1560 ليرة للدولار الواحد، يقول للصراف: لكن ​مصرف لبنان​ يسعّره بـ 1507 سعرًا وسطًا، فيجيبه الصراف باستهزاء: يا سيدي، إذهب واشتره من عند ​رياض سلامة​ (حاكم مصرف لبنان).

هكذا، بلحظة معيَّنة، سقطت كل "هندسات الحاكم" التي أتحف بها ​الشعب اللبناني​ على مدى عقدٍ من الزمن، وسقطت كل "روايات" جائزة أفضل حاكم مصرف مركزي... فشلت ​السياسة​ النقدية، وها هو اللبناني يدفع الثمن.

***

ان العوامل المؤدية الى الشحّ في توفير الدولار باتت معروفة. فمصرف لبنان "يكمش" على الدولارات، ليضعها في احتياطاته بالعملات الأجنبية من أجل تحقيق هدفين:

"تجميع" الاحتياط بكمية مرتفعة من أجل خلق الثقة لجذب المزيد من الدولارات من الخارج.

التدخّل وفق الحاجة لبيع الدولارات في السوق وتغطية الطلب المحلي وإبقاء سعر صرف الليرة مقابل الدولار عند 1507.5 ليرات وسطياً.

***

الطلب على الدولار يأتي بشكل أساسي من عمليات الاستيراد التي تحتاج سنوياً إلى أكثر من 17 مليار دولار لشراء السلع التي يستهلكها ​اللبنانيون​.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، تجار ​النفط​ يحتاجون الى أكثر من 4 مليارات دولار لاستيراد المحروقات سنويًا.

من أين كانت تتوافر هذه الدولارات؟

من الخارج ومن الإيداعات.

اليوم لا دولارات من الخارج ولا إيداعات، ولا "يبقى في ميدان الدولارات إلاّ حديدان سيدر" إن أتت... ومن هنا تأتي أهمية الزيارة التي يعتزم رئيس ​الحكومة​ القيام بها ل​فرنسا​ لتحريك "دولارات سيدر"... لكن فات البعض، سهوًا أو عمدًا، ان هذه الدولارات ليست قروضاً لشراء المحروقات أو لدفع الرواتب و​الأجور​ بل هي لمشاريع بنى تحتية، والمُقرِضون هُم شركاء في إدارة المشاريع ومراقبتها، فلا أسعار مضخمة ولا بالتأكيد "قوميسيونات" تكاد تصل أحيانًا إلى أكثر من رقم المناقصة أو المزايدة.

***

والمتعهدون على أحرَّ منَ الجمرِ ينتظرون البُشرى السعيدةَ بالقروضِ.