تمخضت نتائج الانتخابات الإسرائيلية المعادة عن استمرار أزمة تشكيل الحكومة لعدم قدرة ايّ من الأحزاب المتنافسة في الحصول على أغلبية النصف زائد… رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو مُنيَ بفشل كبير وتلقى ضربة قاسية لأنّ حزبه الليكود تراجعت حصته من المقاعد في الكنيست بدلاً من زيادتها.. فيما تكتل اليمين الذي ينتمي إليه لم يتمكّن من الحصول على 61 مقعداً.. أما رئيس تكتل أزرق أبيض برئاسة بني غانتس، وإنْ حصل على ٣٣ مقعداً متجاوزاً الليكود بمقعدين، فإنّ مجموع حصة اليسار ويسار الوسط أيضاً لم تصل إلى النصف زائد واحد.. وحتى حصوله على تأييد كتلة القائمة العربية 13 مقعداً مرهون بالاستجابة لشروطها… وتبقى كتلة وزير الخارجية السابق أفيغدور ليبرمان الذي فاز بثمانية مقاعد هي بيضة القبان.. لكن ليبرمان يطالب بحكومة وحدة… غير انّ ذلك كما يبدو ليس سهلاً.. ومهما كان الاتجاه نحو تشكيل حكومة وحدة او حكومة يؤيدها ليبرمان والقائمة العربية فإنها ستكون حكومة أزمة وممكن أن تخسر الثقة عند ايّ منعطف.. أو الفشل في تشكيل حكومة والعودة إلى جولة ثالثة من الانتخابات لحسم الأمر.. على انّ هذه الأزمة الناتجة عن توزع المقاعد على عدد كبير من الأحزاب الصغيرة.. فيما الأحزاب الكبيرة تتراجع يوماً بعد يوم وتفقد القدرة على تأمين أغلبية للحكم.. إنما تعكس أزمة بنيوية عميقة تضرب الكيان الصهيوني منذ أكثر من عقدين.. ايّ منذ أن بدأ المشروع الصهيوني مرحلة الهزائم والتراجع والانحسار بعد هزيمة جيش الاحتلال أمام المقاومة عام 2000 واضطراره إلى الهروب من لبنان تحت ضربات المقاومة.. ومن ثم هزيمته في قطاع غزة أمام المقاومة الفلسطينية التي أجبرته على الانسحاب من القطاع وتفكيك المستوطنات هناك لأول مرة على أرض فلسطين.. وبعد ذلك هزيمة جيش الاحتلال الصهيوني القاسية والمدوية في الحرب التي شنّها على لبنان عام 2006 حيث نجحت المقاومة في تلقين جنوده في وحدات النخبة دروساً في القتال وحوّلت دبابات الميركافا إلى حطام.. والجبهة الداخلية للعدو إلى ساحة حرب زلزلت الكيان..

كلّ ذلك أدّى إلى إحداث انقلاب في بنية التفكير الصهيوني من شعور بالتفوّق وقدرة الردع وشنّ الحرب وتحقيق النصر فيها.. إلى سيادة مناخ عام في الجيش ومجتمع المستوطنين بالعجز وعدم القدرة والثقة في بلوغ الأهداف المرسومة في ايّ حرب يخوضها الجيش الإسرائيلي.. هذا إلى جانب سقوط نظرية الأمن والاستقرار التي شكلت أساس ازدهار الهجرة الصهيونية إلى فلسطين المحتلة.. ما جعل الهجرة تتراجع لصالح ارتفاع الهجرة المعاكسة من فلسطين الى البلدان الأمّ التي جاء منها المستوطنون.. كلّ ذلك أسفر عن تسعير التناقضات والاختلافات السياسية حول المسؤولية عن هذا الوضع المتردّي وبالتالي زيادة حالة الانقسام والتذرّر والتشرذم على المستويات السياسية والمجتمع تفاقم منها دخول الكيان في أزمة إنتاج قيادات قادرة على إخراج الكيان من مأزقه الذي يغرق فيه مع كلّ ضربة موجعة يتلقاها من المقاومة في لبنان وقطاع غزة ومن شبان الانتفاضة الفلسطينية.. أما محاولات استعادة قوة الردع الصهيونية في المواجهة مع المقاومة فإنها فشلت مما زاد من مأزق القوة الصهيونية وجعلها مكبّلة أكثر من أيّ وقت مضى..

وفي المقابل فإنّ الحرب الإرهابية الكونية على سورية لكسر ظهر محور المقاومة وقلعته وعموده الفقري.. ومحاصرة المقاومة في لبنان وفلسطين وإعادة تعويم المشروع الصهيوني الأميركي.. فإنها أخفقت وأدّت إلى زيادة قوة محور المقاومة وتماسكه واتساع جبهته.. وهو ما انعكس بزيادة مأزق نتنياهو الذي لم تنجح كلّ اعتداءاته على لبنان وسورية والعراق في استعادة قدرة الردع الصهيونية وإخراج الكيان من مأزقها وبالتالي تعزيز شعبيته والحصول على تأييد الصهاينة في الانتخابات على نحو يجعله ينتمي إلى جيل القادة الصهاينة التاريخيين.. والذي كان آخرهم الرئيس الصهيوني السابق شيمون بيريز..

انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول إنّ الكيان الصهيوني يعيش أزمة بنيوية وهي أزمة تطال كلّ مقومات وجوده الأساسية.. فهي أزمة الجيش الذي فقد قدرة الردع ولم يعد يملك اليقين بتحقيق النصر إذا ما دخل في حرب.. وهذا الجيش يشكل أساس وجود الكيان.. وهي أزمة عدم القدرة على التوسّع والتقدّم في المشروع الصهيوني.. وهي أزمة نابعة من دخوله في مرحلة الهزائم والخوف والقلق على وجود ومستقبل الكيان والمشروع الصهيوني..