وُضع على الطاولة السياسية طرح منح عفو مسبق لرئيس الوزراء الإسرائيلي ​بنيامين نتانياهو​ مقابل إعتزاله نهائيا، والى الأبد، العمل في الشأن العام. بدأ الإسرائيليون يتداولون فيما بينهم بالإقتراح، على قاعدة "وجوب ان ينال المفسد عقاباً كي يبقى للإسرائيليين دولة قويّة" سواء تكون العقوبة بالإبعاد السياسي أو الحُكم القضائي. لا فرق، سوى فرض عقوبة بحق فاسد. هم يعتبرون ان القانون في الدولة أقوى من أي شخصية أو نفوذ سياسي وتمثيل شعبي، لكن يأتي الميل لقبول طرح العفو، مع ضمان فرض العقوبة على نتانياهو بالإبعاد عن الشأن العام، ليعود الى بيته كأي مستوطن إسرائيلي، لا يتمتع بأي إمتيازات. مما يعني أن إبعاده عن الحياة السياسية هو العقوبة البديلة من السجن، لأسباب عدة يرددها الإسرائيليون على صفحات الجرائد والتواصل الإجتماعي: "يجب علينا أن نقرر ليس ما نأمل أن يحدث له، بل أن نقرر بشأن ما الذي يفيد اكثر الشعب ودولة ​اسرائيل​؟ هل قرار هبوطه مرة واحدة واختفائه عن المنصة، أو استمرار وجود هذه الشخصية الملاحقة خلال سنوات من النقاشات والصراعات والخداع والتقارير القانونية في الحياة السياسية–الاعلامية في اسرائيل"؟.

يعترف الإسرائيليون بأن محاكمة نتانياهو ان تمّت بعد سقوط الإقتراح المذكور، لن تكون شبيهة بمحاكمة إيهودا اولمرت الذي نفّذ حكماً بهدوء ومن دون ضجة سياسية ولا إعلامية. لأن شخصية الأول اكثر حنكة ومقدرة على التجييش، حتى ان الإسرائيليين الموالين له او المعارضين يعتبرونه "آخر الساسة الكبار". وهنا كان التحذير الإسرائيلي ينطلق من حقيقة أن ارسال نتانياهو الى المحاكمة سيعني ازدياد حدة وشدة التحريض السياسي والشحن التي تؤدي جميعها الى ما لا يمكن ل​تل أبيب​ تحمّله، لأنّ الإسرائيليين يعتبرون "اذا كانت هناك محاكمة، فستحدّد فترة محاكمته جدول اعمال اسرائيل الاعلامي والجماهيري، وكل الكسور والانقسامات والعداء والكراهية بين كل شرائح واقسام الشعب ستكون اكثر بكثير". ومن هنا اطلق هؤلاء أسئلة:

ماذا ستفيدنا المحاكمة؟ الثأر؟ الانتقام؟ ممن؟

لذلك، ظهر ان الإسرائيليين قلقون من تداعيات الحكم الذي سيصدر بحقّه، ويرون فيه تدميرا لمجتمعهم، فهم يريدون ابعاده عن المشهد السياسي نهائيا الى غير رجعة، لا بل طرده من دولتهم الى عاصمة غربية يختارها، بعد توقيعه لضمان عدم عودته الى الحياة السياسية تحت طائلة مخالفة القوانين، مما يعني شطب حقوقه المدنية بحكم سياسي غير قضائي.

في الحالتين انتهى نتانياهو إسرائيلياً، فمتى ينتهي الفاسدون في دول العرب؟ إذا كانت معظم الأنظمة في ​الدول العربية​ تحمي ارتكابات مسؤوليها وتمنع المحاسبة، لأن المحسوبية هي السائدة بين الشركاء في أكلة أجبان الدول، فإن ما يثير الإستغراب هو السكوت اللبناني على الفساد المستشري في ظل وضع إقتصادي صعب جدا، يكاد فيه المواطن ان يكون هو الضحية الوحيدة. لم يجد العارفون اسباباً في لبنان تحمي الفساد والفاسدين سوى النظام الطائفي، العلة في الطائفية والمذهبية، التي ترفع الجدران في وجه أي محاسبة، وتضع الخطوط الحمر لمنع المساءلة.

قد تكون معادلة العدو الإسرائيلي هي قاعدة مقبولة لمكافحة الفساد في أي مكان، من خلال الإقتراح: إما المحاكمة القضائية أو الإبتعاد النهائي عن الحياة السياسية. الهدف واحد. رغم ان فرض الإبعاد هو وسيلة اسلم لمنع الفاسدين من ممارسة أي دور سياسي، لكن بعد إعادة الأموال المنهوبة والمسلوبة. فهل تقف الجدار الطائفية ايضا في وجه هكذا طرح؟ لنفترض أن لبنان طبّق تلك المعادلة المعجزة. فليتخيّل المرء.