لم يهدأ وزير الخارجية ​جبران باسيل​ في اليومين الماضيين، فهو انتقل من ​اوروبا​ الى ​الولايات المتحدة الاميركية​ في غضون ساعات، لايصال رسالة مفادها ان نشاطه الدبلوماسي يوازي نشاطه الجسدي وعدم شعوره بالتعب. في الواقع، قال باسيل كلاماً ينادي به كل ​لبنان​ي، حتى عندما اعلن ان لبنان الرسمي لا يشاطر الامين العام ل​حزب الله​ ​السيد حسن نصر الله​ النظرة ذاتها من القضية ال​ايران​يّة، ايّ بمعنى آخر انه يعارض دخول لبنان في الصراع الاميركي-الايراني. وفي حين قد يعتبر البعض ان كلام باسيل أتى لتمييز نفسه عن حزب الله كونه متواجد على الاراضي الاميركيّة، وهو مهتمّ بالتالي في اظهار بعده عن الحزب من اجل "مسايرة" الاميركيين و​سياسة​ ​واشنطن​ التي تعتبر الحزب "ارهابياً" وتفرض ​عقوبات​ قاسية على كل من يتعامل معه، اطلق الوزير اللبناني مواقف اخرى تضع هذا البعض في حيرة من أمره حين قال انه لا يشرّفه ان يكون رجل واشنطن او غيرها في لبنان. هذا الموقف لا يُطلق من قبل شخص يحرص على "مسايرة" الاميركيين، وبالتالي يمكن القول ان مواقف باسيل التي اطلقها في ​اميركا​، تختلف بشكل جذري عن تلك التي يطلقها في لبنان والتي تقسم اللبنانيين بين مؤيد ومعارض، وتتّخذ كذريعة لاذكاء التأجيج وشد العصب وبالاخص حين يتعلق الامر بالمحاصصة وتوزيع حصص الطوائف، وكأن كلامه هناك يأتي بعكس كلامه في لبنان بالنسبة الى ما يسمعه اللبنانيون.

وفي وقت ألمح الكثيرون الى ان عقوبات اميركية جديدة تلوح في الافق وستشمل مسؤولين رسميين لبنانيين وفي مقدمهم باسيل، كان الاخير يردّ بأنه وزير خارجية لبنان وعلى الادارة الاميركيّة التعاطي معه على هذا الاساس، أيّ بمعنى آخر، أوضح للجميع ان اي عقوبة ستطاله لن تكون شخصيّة، وستكون بمثابة عقوبة على لبنان ككل. في هذا السياق، يمكن القول ان في الامر ترابط منطقي، فالتعاطي الرسمي مع الدول يتم عبر وزارات الخارجيّة، ولو ان القنوات الشخصيّة تبقى فاعلة ومهمة، الا انه رسمياً لا يمكن اغفال دور الخارجيّة في اي بلد، وعليه اذا ما فرضت اميركا عقوبات على باسيل، فكيف سيتمّ الحديث الدبلوماسي؟!. وهل ستقفز واشنطن فوق التقاليد والاعراف والمنطق لمعاداة باسيل وقطع العلاقات معه؟ وفي هذا المجال، هل اتت زيارة وزير الخارجية اللبناني الى كلية "وست بوينت" الاميركيّة العسكريّة، وما نشره من استقبال له بمثابة تأكيد على انه قريب من الاميركيين اكثر من قربه من الادارة؟ وفي سياق آخر، مع اي جهة رسمية ستتعاطى الولايات المتّحدة اذا ما خلقت عداوة بينها وبين ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​، وباسيل، ورئيس الحكومة ​سعد الحريري​، ورئيس ​مجلس النواب​ ​نبيه بري​، وقسم كبير من النواب والوزراء، بسبب عدم معاداتهم لحزب الله؟ وما فات ان يطرحه باسيل في اميركا، لا يجب ان يبقى غائباً، وخصوصاً لجهة استعداد الرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ للقاء نظيره الايراني ​حسن روحاني​ في ​نيويورك​، فكيف يمكن معاداة اطراف لبنانيّة لتعاملها مع حزب الله فيما تنشط ​الاتصالات​ لانجاح فكرة لقاء ترامب-روحاني؟ وهل بات حزب الله الذراع العسكري لايران، وروحاني والمسؤولين الايرانيين الوجه السياسي لها؟!.

قد لا يكون باسيل قد نجح في تغيير رأي الاميركيين وسياستهم، ولكنه اوصل اكثر من رسالة والاهم فيها ان امن لبنان اكبر من اي مصلحة اخرى، بما يعني ان لا احد في لبنان مستعد لاشعال شرارة حرب اهليّة "كرمى لعيون احد"، ويجب على أيّ دولة خارجية ان تفهم وتتفهم هذا الواقع، والا تعتمد حتى على كبار المغالين في انتقاد الحزب بقوة، لان الترجمة ستبقى في السياسة ولن تصل الى الشارع.