أوضح أحد كبار المسؤولين، في حديث إلى صحيفة "الجمهورية"، ملخّصًا نتائج زيارة مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب ​مارشال بيلينغسلي​ إلى ​لبنان​، أنّه "جاء ليقولَ للبنانيين، أنا ربُّكم الأعلى".

وركّز على أنّ "زيارة المسؤول الأميركي في منتهى الخطورة، وكلامه الّذي أورده كان مستفزًّا، وخصوصًا حينما قال إنّ "كلّ مَن يساعد "​حزب الله​" سيكون معرَّضًا للعقوبات"، مبيّنًا أنّ "هذا الكلام لا يطال "حزب الله"، بقدر ما يطال البلد بشكل عام، وتوعّده بمعاقبة من يساعد الحزب، فيه تعميم بالتأكيد هو تعميم مقصود، بما يُبقي "التّهمة" جاهزةً لإلصاقها بأيّ كان وفي أيّ وقت كان". وشدّد على "أنّنا لو كنّا في دولة تحترم نفسها، هل كانت لتسكت على هذا الاستفزاز وهذه الفوقيّة الّتي يتمّ التعاطي فيها مع البلد ومؤسّساته، وخصوصًا المؤسّسات المصرفيّة والماليّة، بإبقاء شبح العقوبات حائمًا فوق رأسها، وإشعارها بأنّه سينقضّ عليها بإشارة من إصبع بيلينغسلي؟ مع الأسف عندما تذوب الدولة، يجب أن نتوقّع أيّ شيء".

ولفت المسؤول إلى "أنّنا لا نناقش هنا في موقف ​الولايات المتحدة الأميركية​ من "حزب الله"، وقد عبّر عنه بيلينغسلي بكلّ وضوح، بل بكيفيّة التعاطي مع لبنان، والتعامل معه من موقع المتلقّي لا أكثر. لا نتحدّث هنا عن التهديدات المتواصلة بمعاقبة "حزب الله"، فهذه العقوبات باتت سمة المواجهة بين الولايات المتحدة وخصومها، من ​روسيا​ و​الصين​ مرورًا ب​فنزويلا​ و​إيران​، وصولًا إلى "حزب الله"، بل نتحدّث هنا عمّا يتّصل بالإشارات السلبيّة والإيحاءات غير المطمئِنة الّتي تطلق -وقد أَكثر منها بيلينغسلي- وتفرض حالًا من الإرباك على مجمل الوضع اللبناني، وخصوصًا على المستوى المالي". ورأى أنّ "أقلّ ما كان يمكن أن يحدث إزاء هذا الأمر، هو أن تتداعى رؤوسُ الدولة، لعقد اجتماع طارئ لتقدير الموقف وتحديد شكل التعامل مع الضيف الأميركي وكلامه الثقيل".

وأكّد أنّ "حسنًا فعلت ​جمعية المصارف​ في لبنان، حينما استبقت وصول بيلينغسلي بإصدار بيان يؤكّد "التزام ​القطاع المصرفي​ بتطبيق القوانين الدولية حول ​مكافحة الإرهاب​ ‏وتبييض الأموال، وتطبيق تعميمات "​مصرف لبنان​" الّتي تصبّ في هذا الاتّجاه". وفسّر أنّ "هذا الالتزام كان جوابًا استباقيًّا لما طرحه بيلينغسلي خلال زيارته، إلّا أنّ ما يدفع الى الريبة، هو أنّ الأميركيين وقَبل غيرهم من دول العالم، يعلمون تمامًا عِلم اليقين حال ​المصارف اللبنانية​ وكيفيّة تعاملاتها وحركة حساباتها، وقبل ذلك التزامها القوانين اللبنانية والدولية المرتبطة بمكافحة الإرهاب وتبييض الأموال، فلماذا الإصرار على إشعارها بأنها مهدَّدة وفي موقع الاستهداف؟ علمًا أنّ الكلّ داخل لبنان وخارجه يدركون أنّ استهداف المصارف، حتّى ولو بالشائعات، أشبه ما يكون باللعب بالنار، فهي تشكّل عصب البلد وأيّ مسّ بها سيؤدّي إلى انهيار ودمار يلحق بكلّ مكوّنات البلد، فهل هذا هو المطلوب، ولماذا؟".

كما أشار إلى أنّه "أن يقول الأميركيون إنّهم سيتابعون مسلسل العقوبات والضغوط على "حزب الله" لخنقه ماليًّا وسياسيًّا أيضًا، فهم بذلك لا يكشفون سرًّا، إذ إنّهم يؤكّدون على هذا المنحى يوميًّا وهدفُهم معلن بأنّهم قرّروا تشديد الخناق عليه لإخضاعه وكسر قوّته التي يمتلكها، لكن أن يقترن هذا التوجّه بكلام أو إجراءات تصيب ​الاقتصاد اللبناني​، فهو ما يجعلنا ننظر إلى كلّ هذا المنحى بعين الريبة والاتّهام".

وشرح المسؤول أنّ "نتائج هذا المنحى صاغتها وقائع الأشهر الأخيرة، الّتي أظهرت التبعات السلبيّة للعقوبات الأميركية على الاقتصاد اللبناني في الدرجة الأولى، وفي مقدّمها ما تسبّبت به من ذعر لبناني عام عابر لحدود الطوائف والمناطق، وما نتج عن هذا الذعر من سحوبات للودائع، وأنذر بأزمات في قطاع ​المحروقات​، وما بات يتردّد من تحذيرات بشأن التداعيات المحتملة على قطاع التموين (​القمح​ على سبيل المثال)، وكل ذلك يعني أنّ الخراب إن وقع فسيطال الجميع".

وسأل: "هل إنّ ​العقوبات الأميركية​ أثّرت على "حزب الله"؟". ووجد أنّه "لعلّ "حزب الله"، وإن كان يعترف بأنّه يعاني ضائقةً ماليّة ويمارس شيئًا من التقشف، إلّا أنه قد يكون أقلّ المتضرّرين من سائر اللبنانيين. فهو في الأساس يمتلك قدرات كبيرة، وبالتالي هو محصّن أمام أيّ أزمة اقتصاديّة، فضلًا عن أنّ مصادره لا تعتمد على القناة المصرفيّة الّتي هي تحت الرقابة الدوليّة، وأمواله لا تُدار في البنوك اللبنانية".

إلى ذلك، شدّد على أنّه "إذا كان "الحزب" قد ظلّ، حتّى الأمس القريب، يقارب العقوبات الأميركية باعتبارها ذات "تأثير صِفري" على نشاطه، لكونه ليس جزءًا من النظام المالي، إلّا أنّ امتداد هذه العقوبات إلى البيئة الحاضنة له تجعل الأمر أكثر خطورة، خصوصًا أنّ إصرار الأميركيين على اتّباعها يشي برغبة دفينة في التحضير لشيءٍ ما في لبنان".

وأعلن المسؤول أنّ "أقلّ ما يمكن توقّعُه حيال هذا "الشيء ما"، هو أنّ الأميركيين يبدو أنّهم قد عقدوا العزم على فضّ التحالفات القائمة بين "حزب الله" وجزء من المسيحيين -"التيار الوطني الحر" تحديدًا- وهو ما يمكن رصدُه في ما بين سطور التصريحات والتسريبات الأميركية في شأن الشخصيات والكيانات اللبنانية التي باتت تحت مقصلة العقوبات".

وأعرب عن خشيته أن يكون منحى العقوبات الاميركية هذا المعتمَد حيال لبنان، هو الجزءُ المكشوف من جبل ثلج مخطط أميركي، يهدف الى إحداث إرباك شديد في لبنان يجري التمهيد له من الآن، يتواكب لاحقاً وربما في المدى المنظور بمحاولة تمرير صفقات إقليمية كبرى من قبيل ​صفقة القرن​ أو غيرها، ما يجعل من العقوبات، ليست فقط لخنق «حزب الله»، بل تدمير لبنان ككل.