يمرُّ تشكيل حكومة الاحتلال ال​إسرائيل​ي بمرحلة "عضِّ الأصابع" بين زعيمَي مُعسكري "اليمين - الحريديم" ​بنيامين نتانياهو​ و"الوسط - يسار" ​بيني غانتس​، بشأن توافقهما على تشكيل حكومة وحدة، وصيغة التناوب في ما بينهما، وكلاهما يتربّصُ بالآخر لإفشاله.

ويتريّث رئيس الكيان الإسرائيلي ​رؤوفين ريفلين​، بإعلان إسم المُرشّح ل​تشكيل الحكومة​ بانتظار الجواب النهائي منهما، وبعد تسلّمه عند الساعة 13:30 من ظهر اليوم (الأربعاء) من رئيس لجنة ​الانتخابات​ المركزية القاضي حنان ميلتسر، النتائج الرسمية لانتخابات "​الكنيست​"، ولديه مهلة أسبوع لتكليف المُرشّح.

ويُتوقّع أنْ يجمع ريفلين مُجدّداً ​نتنياهو​ وغانتس مساء اليوم، بعدما جمعهما أمس الأوّل، فيما سينتظر وفدا المفاوضات خارج غرفة اللقاء، لاحتمال تقدُّم ​الاتصالات​ بينهما.

وفي ضوء ذلك، سيُعلن إسم المُرشّح، الذي يُطالب به رئيس حزب "الليكود" نتنياهو، على اعتبار أنّه حَظِيَ بتسمية 55 نائباً من "الكنيست"، مُتقدِّماً على غانتس، الذي حصل على 54 صوتاً.

وكان ريفلين قد هدّد خلال لقائه مع نتنياهو وغانتس، بأنّه ليس لدى أحد من الجانبين أغلبية في "الكنيست" مُؤلّفة من 61 عضواً، وأنّه في حال عدم الاتفاق على تشكيل حكومة وحدة، فإنّه قد يُكلّف مُرشّحاً آخر، غيرهما، بتشكيل الحكومة.

وأوضح أنّ "استمرار ولاية الحكومة الانتقالية الحالية، بحال التوجُّه إلى انتخابات أخرى، تُلحِق ضرراً بالغاً بالمواطنين، وبقدرتنا على مُواجهة التحديات الماثلة أمامنا. والشعب يتوقّع منكما التوصّل إلى حل ومنع انتخابات أخرى، حتى بدفع ثمن شخصي، وإيديولوجي أحياناً، وبالإمكان تشكيل حكومة مُشتركة ومُتساوية، وبإمكانها وعليها أنْ تُعبِّر عن أصوات مُختلفة ومُتنوِّعة في

المُجتمع".

ترقب نتائج المُفاوضات

وما زال من المُبكِر معرفة إذا كان اللقاء سيقود إلى تقدُّم جوهري، فالجانبان يتحدّثان في العلن عن حكومة وحدة، لكن ليس واضحاً ما إذا كان بالإمكان ردم الفجوات بينهما، وتشكيل ائتلاف مُشترك.

"الليكود" لا يُفضِّل التناوب على ​رئاسة الحكومة​، لكن نتنياهو قد يُوافق على منح المنصب إلى غانتس في ​السنة​ الأخيرة من ولاية حكومة وحدة.

وفي "أزرق - أبيض" لا يُعلّقون آمالاً كثيرة على لقاء غانتس - نتنياهو، خاصة إثر المطالب الواضحة التي طرحتها الكتلة، وهي أنّه خلال المفاوضات، يُتوقّع أنْ يطلب غانتس أنْ يكون الأوّل في التناوب على رئاسة الحكومة، ولمُدّة سنتين.

خطوة كهذه ستُبقي نتنياهو خارج الحكومة، في المرحلة الأولى، وبذلك تُنفِّذ الكتلة تعهّدها لناخبيها بعدم الجلوس مع نتنياهو.

وسيوافق "أزرق - أبيض" على تولّي نتنياهو رئاسة الحكومة في السنتين الأخيرتين، شريطة أنْ تتم تبرئته من شُبُهات ​الفساد​ ضدّه، في حال تقديم لوائح اتهام.

وهو مُطمئن إلى عدم انتقال كتلة "العمل - غيشر" 6 مقاعد، من مُعسكر "الوسط - يسار" إلى "كتلة اليمين" وتمكين نتنياهو من تشكيل حكومة.

لذلك، تعترض تشكيل الحكومة عقبات جمّة، في صدارتها، ليس إصرار غانتس على أنْ يكون رئيس الحكومة الأوّل في التناوب، في السنتين الأوليين، بل أيضاً عدم مُشاركة أحزاب "الحريديم" الدينية المُتطرِّفة في الحكومة، وهو ما سيُحرِج نتنياهو مع حلفائه.

لكن في المُقابل، فإنّ غانتس سيواجه مُعضِلة، وهي كيف سيتم التعامل مع نائبه ​يائير لابيد​، الذي اتفق وإياه على التناوب لرئاسة الحكومة في حال فوز مُعسكرهما بالانتخابات.

وأيضاً كيف سيُقنع الناخبين بعكس ما رفعه من شعارات في برنامجه الانتخابي، والتي ركّزت على نتنياهو وملفات الفساد التي تُلاحقه!

ويُدرِك نتنياهو أنّ تسميته في المرحلة الأولى لتشكيل الحكومة، تُبعِد عنه شبح تجريمه

بملفات الفساد، المُحدّد له فيها جلسة استجواب بداية شهر تشرين الأول المُقبِل.

التوافق بين نتنياهو وغانتس يعني إمكانية تشكيل حكومة بين حزبَي "الليكود" و"أزرق - أبيض" بأكثرية 64 صوتاً، ما يضمن الثقة في "الكنيست"، دون حاجة إلى أي من الكتل الـ7، وفي طليعتها "إسرائيل بيتنا" برئاسة ​أفيغدور ليبرمان​، الذي سيكون الخاسر الأكبر في تشكيل حكومة ثنائية كهذه، بعدما كان يتعامل على أنّه الوحيد، الذي يُرجِّح كفّة أيٍّ من المُعسكرين بالأصوات الـ8 التي حصل عليها في الانتخابات، وإخفاق مُحاولات الضغط على نتنياهو وغانتس، وابتزازهما لتشكيل حكومة ثلاثية تضمّه إليهما مع 72 صوتاً.

وحاول ليبرمان الإلتفاف على استبعاده من المُشاورات بالقول: "إنّ "إسرائيل بيتينا" لا ينسّق مع "أزرق - أبيض"، ولا مع "الليكود"، ولا مع حزب "​القراصنة​"، والتزامنا الواحد والوحيد هو تجاه جمهور الناخبين، الذين صوّتوا لصالحنا"، في إشارة إلى رفضه الانضمام إلى حكومة يُشارك فيها "الحريديم".

وأضاف ليبرمان: "إنّ عضو كتلة "إسرائيل بيتنا" عوديد فورير التقى مع الوزير عن

"الليكود" زئيف إلكين، ومع عضو "الكنيست" عن "أزرق - أبيض" آفي نيسانكورين".

"القائمة المُشتركة"

أما القاسم المُشترك بين الأحزاب الصهيونية، فهو الابتعاد عن "القائمة العربية المُشتركة" برئاسة ​أيمن عودة​، والتي رفعت تمثيلها إلى 13 نائباً، بعدما كانت في الانتخابات الماضية تتمثّل بـ10 مقاعد.

وعلى الرغم من أنّ 10 نوّاب من "القائمة" أوصوا بتسمية غانتس لتشكيل الحكومة، إلا أنّ حزب "أزرق - أبيض" وجّه انتقاداً إلى "القائمة"، على اعتبار أنّ هذه التسمية تضرّ بهم، مع إدراكهم أنّه من دونها تتوقّف أصوات المُعسكر الذي يترأسه غانتس عند 44 نائباً.

بينما استغل نتنياهو تسمية "القائمة المُشتركة" لغانتس، بمزيد من التحريض، وبث الكراهية، بأنّه يتحالف مع مَنْ يُحوِّله إلى "​محكمة​ لاهاي"، على الجرائم الذي ارتكبها بحق الفلسطينيين.

فيما منذ البداية، فإنّ العلاقات مقطوعة بين ليبرمان و"القائمة المُشتركة"، بما في ذلك عدم المُصافحة بينهما.

أيام قليلة ستكون صعبة ودقيقة قبل أنْ يُكشَفَ النقاب عن "سيناريو" المرحلة المُقبِلة إذا ما كانت ستنجح الاتصالات بتشكيل حكومة وحدة، أو العودة إلى تكليف الفائز الأكبر بالتوصية نتنياهو، وإذا ما كان سينجح في المُهلة المُحدّدة له 28 يوماً و14 إضافية، ومن ثم إذا فشل بتشكيل الحكومة، يتم تكليف غانتس الذي لديه 28 يوماً فقط للتشكيل، وعندها سيكون رئيس الكيان الإسرائيلي أمام خيارين: إما الطلب من "الكنيست" تسمية مُرشّح للتشكيل أو حل "الكنيست" والتوجّه إلى انتخابات ثالثة خلال عام واحد.

خلال اجتماع أمس الأوّل، لم يبحث نتنياهو وغانتس قضايا جوهرية تتعلّق بتشكيل الحكومة، لكن طاقمَي المفاوضات عن الجانبين اجتمعا أمس (الثلاثاء)، على مدى ساعة ونصف الساعة، دون التوصّل إلى أي تفاهمات، وإنّما بدا أنّ الخلافات بين الجانبين كبيرة.

واتفق رئيسا طاقمَي المفاوضات على إطلاع نتنياهو وغانتس بمضمون جلسة المُفاوضات الأولى، وبعد ذلك سيتقرّر بشأن استمرار الاتصالات بين الجانبين، من عدمها.

وتبيّن أنّ الخلافات ما زالت كبيرة جداً بين الحزبين، ولم تُسفِر اللقاءات بينهما عن تقدّم ولو

خطوة واحدة في القضايا الجوهرية.

ويُركِّز "أزرق - أبيض" على تشكيل حكومة وحدة علمانية، تدفع قضايا مثل: ​الزواج المدني​، فتح المصالح التجارية وتسيير المواصلات العامة في مدن مُعيّنة في أيام السبت، إلى جانب تجنيد "الحريديم" للجيش، وتقييد فترة ولاية رئيس الحكومة، بينما لا يُوافِق حزب "الليكود" على ذلك، ويستند أساساً، في الكتلة "اليمينية"، إلى أحزاب "الحريديم".

وبرز الخلاف الأوّل بين الجانبين من خلال إعلان رئيس طاقم المُفاوضات عن "أزرق - أبيض" يورام طوربوفيتش عن أنّه يرى برئيس طاقم المُفاوضات عن الطرف الآخر الوزير ياريف ليفين، مُمثِّلاً عن "الليكود"، بينما شدّد ليفين على أنّه "يُمثِّل جميع الـ55 عضو "كنيست" الأعضاء في "كتلة اليمين"، التي تضم "الليكود"، "الحريديم" و"إلى اليمين".

وسرّب مسؤولون في "أزرق - أبيض" أنّ كتلتهم تُجري مُفاوضات مع مندوبي "الليكود"، وليس مع مندوبي "الحريديم" و"إلى اليمين"، وأنّ نتنياهو يعلم بأنّنا لن نجلس مع يعقوب ليتسمان (رئيس كتلة "يهوديت هتوراه" الحريدية)، وبتسلئيل سموتريتش (من "إلى اليمين"). والمحادثات

تجري مُقابل "الليكود" وليس مقابل الكتلة اليمينية، وأنّ نتنياهو "لم يُبدِ اهتماماً بالكتلة (اليمينية)، وإنّما بالتناوب فقط" على رئاسة الحكومة في حال تمَّ تشكيل حكومة وحدة.

وسارع نتنياهو إلى الاتصال برؤساء الأحزاب، التي تُشكِّل كتلة "اليمين" لإطلاعهم على مضمون لقائه مع غانتس، وقال بأنّه يُمثِّل كتلة "اليمين" كلها: "أنا مُلتزم بما تعهّدتُ لكم به". لكن جهات يمينية قالت: "إنّ قياديين في "أزرق - أبيض" أبلغوهم بأنّ نتنياهو لم يذكرهم خلال اللقاء".

من جانبه، كتب غانتس لأعضاء "الكنيست" من كتلته: "جرى الحديث كثيراً حول وحدة خلال اللقاء، وهذا هو توجّهنا منذ تأسيسنا. وأوضحتُ أنّ الطريق إلى الوحدة تمر من خلال جوهر الأمور التي وعدنا بها جمهور ناخبينا. وقد اختار الجمهور التغيير ولا نيّة لدينا بالتنازل عن قيادتنا، مبادئنا أو عن شركائنا الطبيعيين لهذه الطريق".