لفت ​رئيس الجمهورية​ ​ميشال عون​ في كلمة له في الجمعية العامة للامم المتحدة إلى أنه " في 16 أيلول الحالي، قامت الجمعية العامة بالتصويت على القرار الرقم 344، الداعم لإنشاء "أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار" في ​لبنان​، واسمحوا لي أن أنقل شكر بلادي للدول الأعضاء التي رعت هذا المشروع وصوّتت لصالحه، مع ما يحمله ذلك من تشجيع لنا على المضي قدماً في هذه المبادرة".

وأكد "إنني سأتابع بحرص قيام "أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار" إيماناً مني بأن السلام الحقيقي هو الذي يقوم بين البشر لا على الورق، وبدور لبنان ورسالته كأرض تلاقٍ وحوار، وبما يكتنزه شعبه ومجتمعه التعددي من تجارب وخبرات جعلته رافضاً للتطرف الفكري والديني، وعلمته عيش التسامح والقبول بالآخر"، موضحاً أن "أهمية "أكاديمية الإنسان للتلاقي والحوار" تكمن في تجسيدها مشروعاً دولياً لالتقاء الثقافات و​الديانات​ والإتنيات المختلفة وتعزيز روح العيش معاً، ونشر ثقافة معرفة الآخر والقبول به، ضمن إطار مبادئ ​الأمم المتحدة​ وما تصبو إليه عبر برامجها السامية التي تعمل على ردم الهوّة بين الشعوب".

وأشار إلى أنه "منذ يومين عُقدت هنا في الأمم المتحدة قمة العمل المناخي، التي دعا إليها الأمين العام وفي هذا السياق، انضم لبنان الى مجموعة الدول الداعمة للمبادرة التي أطلقها فخامة رئيس ​النمسا​ "لمزيد من الطموح حول المناخ" بعد أن كان في طليعة الدول التي وقّعت على اتفاق ​باريس​ العام 2015"، لافتاً إلى أن "لبنان قام بخطوات عديدة هذا العام في سبيل تعزيز دور ​المرأة​، وقد أقرّت ​الحكومة اللبنانية​ خطة عمل وطنية شاملة لتنفيذ قرار ​مجلس الأمن​ 1325 حول المرأة والسلام والأمن وباشرت تنفيذها، كما أنجزنا كل الخطوات المتعلقة بتفعيل عمل الهيئة الوطنية ل​حقوق الانسان​ ولجنة الوقاية من التعذيب"، مفيداُ بانه "انحسرت الحرب الساخنة التي عمّت دولاً عدة في الشرق الأوسط خلال العقد الأخير، إلا أن أثارها ونتائجها على بلداننا ومجتمعاتنا تزداد انتشاراً وترسخاً وخصوصاً على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي".

وسألت "هل نحن بحاجة لتذكيركم بحجم التأثيرات السلبية لأزمة النزوح وتداعياتها على لبنان أمنيّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً واقتصاديّاً وبيئياً، وعلى البنى التحتيّة والنمو وارتفاع معدّل البطالة؟"، مشيراً إلى أن "النزوح شكّل خطراً جدياً على برنامج تحقيق أهداف التنمية المستدامة في لبنان، وأدّى الى تفاقم أزمته الاقتصادية وإذا كان لبنان يسعى جاهداً لمواجهة هذه الأزمة، فإن ذلك يدفعني الى مناشدة كل زعماء العالم ليساهموا في العمل على عودة النازحين الآمنة الى سوريا".

وشدد الرئيس عون على أن "مسؤولية معالجة أزمة النزوح لا تقتصر على لبنان وحده، بل هي مسؤولية دولية مشتركة تحتّم علينا أن نتعاون جميعاً على إيجاد الحلول لها، وبصفة عاجلة"، مشيراً إلى انه "لا يمكن للمجتمع الدولي أن يكتفي فقط بتأمين الحد الأدنى من المساعدات للنازحين واللاجئين في أماكن نزوحهم وتغييب برامج العودة الآمنة والكريمة لهم إلى بلادهم"، معتبراً أن "شروط عودة النازحين إلى بلادهم أصبحت متوافرة، فالوضع الأمني في معظم أراضي سوريا، ووفقاً للتقارير الدولية، أضحى مستقراً والمواجهات العسكرية انحصرت في منطقة إدلب، وقد أعلنت الدولة السورية، رسمياً وتكراراً، ترحيبها بعودة أبنائها النازحين".

وأضاف "لقد غادر من لبنان حتى الآن قرابة 370 ألف نازح، عاد منهم إلى سوريا ما يزيد عن 250 ألف، ولم ترِد أي معلومات عن تعرّضهم لأي اضطهاد أو سوء معاملة"، مشيراً إلى أنه "لدينا علامات استفهام عديدة حول موقف بعض الدول الفاعلة والمنظمات الدولية المعنية، الساعي إلى عرقلة عودة النازحين والادعاءات بخطورة الحالة الأمنية في سوريا، وإثارة المخاوف لدى النازحين".

واعتبر أن "المساعي لعرقلة عودة النازحين تؤشر بوضوح الى المنطلقات السياسية التي يتم من خلالها التعاطي مع أزمة النزوح، وكأني بالنازحين قد تحولوا رهائن في لعبة دولية للمقايضة بهم عند فرض التسويات والحلول" ورأى أن "عرقلة عودة النازحين تدفع لبنان إلى تشجيع عملية العودة التي يجريها بالاتفاق مع سوريا لحل هذه المعضلة التي تهدد الكيان والوجود، لأن تجارب قضايا الشعوب المهجّرة في العالم، وانتظار الحلول السياسية لا تطمئن أبداً".

وتابع "إثر اندلاع الحرب في قبرص في العام 1974 لجأ قسم كبير من القبارصة الى لبنان، ثم عادوا الى بلادهم فور إعلان وقف إطلاق النار من دون انتظار الحل السياسي، الذي لم يتحقق إلى اليوم"، مشيراً إلى أنه "في العام 1948 بدأت موجات نزوح الشعب الفلسطيني الى دول الشتات وإلى لبنان بشكل خاص، ولا يزال الفلسطينيون يعيشون في المخيمات على حلم العودة وينتظرون الحل السياسي وتنفيذ القرار 194 منذ واحد وسبعين عاماً".

ونبه من "خطورة تقليص خدمات الأونروا التي تقدّمها للاجئين الفلسطينيين مما تسبّب بمزيد من الضغط الاجتماعي والمالي عليهم وعلينا، ما يهدد بالتالي بتحويل الشباب الفلسطيني من طلاب علم الى طلاب ثأر"، مؤكداً "تسجيل رفض لبنان القاطع كل محاولة للمس أو تعديل في ولاية "الأونروا"، مناشداً الدول المساهمة في موازنتها مضاعفة مساهماتها للتمكن من استعادة دورها الحيوي".

ولفت الرئيس عون إلى ان أزمة الشرق الأوسط المتمادية منذ عقود تزداد تعقيداً لأن كل مقاربات الحلول وكل الممارسات الإسرائيلية تناقض المبادئ التي قامت عليها الأمم المتحدة"، معتبراً أن "تهويد القدس والاستيطان والاعتراف بضم أراض احتلت بالقوة والوعود بضم أراض جديدة، مع ما يرشح عن صفقة القرن وتصفية القضية الفلسطينية وإبقاء الفلسطينيين حيث هم، وتضرر لبنان كونه يضم قسما كبيرا منهم وكل ما سبق يقوض فرص السلام وينذر بمستقبل مجهول؛ فحقوق الشعوب تبقى مهما طال الزمان".

وأشار إلى ان "الخروق الإسرائيلية للقرار 1701 لم تتوقف يوما، وكذلك اعتداءاتها المتمادية على سيادة لبنان، والعدوان على منطقة سكنية في بيروت هو الخرق الأخطر لهذا القرار... أمّا الحرائق التي استمرت لأيام في مزارع شبعا المحتلة جراء القذائف الحارقة، فتشكّل جرماً بيئياً دولياً يستوجب إدانة من تسبب به"، مؤكداً أن "لبنان بلد محب للسلام، ونحن ملتزمون القرار 1701، ونجهد دائماً لاحترامه، ولكن التزامنا هذا لا يلغي حقنا الطبيعي وغير القابل للتفرّغ، بالدفاع المشروع عن النفس، عن أرضنا وشعبنا، بكل الوسائل المتاحة".

وأكد "تمسّك لبنان بحقوقه السيادية على مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وشمال الغجر المحتلة، وهو لن يوفر فرصة في سبيل تثبيت حدوده البرية المعترف بها دولياً بالوثائق الثابتة في الأمم المتحدة وكذلك ترسيم الحدود البحرية بإشراف الأمم المتحدة، مع ترحيبه بأي مساعدة من أيّ دولة بهذا الخصوص"، مشيراً إلى أن "لبنان سيباشر بعمليات التنقيب عن النفط والغاز في مياهه الإقليمية قبيل نهاية هذا العام بحسب القوانين والأعراف الدولية".

وأفاد بـ"إن منطقة الشرق الأوسط، تشهد العديد من الحروب، وشعوبنا تدفع دوماً الثمن، من أمنها واستقرارها وسلامها واقتصادها، وحتى تنوّعها الديمغرافي وجوهر المشكلة هو نفسه، تعارض مصلحة الأقوياء مع حق الضعفاء فتضيع المبادئ والمنطق والعدالة وتتميّع الحلول"، مشيراً إلى ان "الانحراف الطاغي على ال​سياسة​ أفقد العالم استقراره، ولم تعد هناك مقاييس لحصر الخلافات والسيطرة عليها وبالتالي لحلها وفق القواعد المعمول بها، ما جعل شعوبا عدة عاجزة عن اتخاذ خيارات سياسية تتخطى حدودها ومنعها عن اللقاء والتعاون، فضاعت فرص كثيرة لحل النزاعات، وأفسح المجال واسعا للفوضى".

وأضاف الرئيس عون "قامت الأمم المتحدة بالكثير من المبادرات الهادفة الى إعلاء صوت السلم والتنمية، نجحت في بعضها ولم تصل الى النتائج المرجوة في العديد منها والمأمول منها اليوم تعزيز المبادئ العامة والقانون الدولي والمواثيق لأنها المرجع الوحيد لصون الحقوق"، مؤكداً أنه "لن تقوم عدالة ولن يستقيم حق ولن يتحقق سلام طالما أن المبدأ السائد في عالمنا هو أنا قوي إذاً أنا على حق".