على الرغم من كل ما يقال، فإن الرئيس الاميركي دونالد نرامب بحاجة حالياً الى جرعة سياسية قوية تنقذه من الوضع الذي يعيشه، والذي يمكن وصفه بالصعب. صحيح ان ما اعلنته رئيسة مجلس النواب الاميركي ​نانسي بيلوسي​ حول قرار الديمقراطيين المباشرة بالتحقيقات لعزل الرئيس، لا يمكن ان يؤدي الى النهاية التي يرغب فيها الحزب الديمقراطي ومعارضو ترامب، الا انها مؤشر واضح الى ان الديمقراطيين اعدّوا العدّة وجهّزوا انفسهم للمعركة الرئاسيّة بشكل جدّي، وارسلوا رسالة قويّة مفادها ان التعرّض للمرشح الابرز لديهم في المعركة الرئاسية المقبلة ​جو بايدن​ ليس بالامر السهل.

لا يتوقّع احد ان يتمّ عزل الرئيس الاميركي لسببين اساسيين: الاول عدم وجود ادلّة متينة وكافية للقيام بهذه الخطوة، والثانية انه لم يسبق في تاريخ ​اميركا​ ان شهد حادثة مماثلة، وهذا يعني ان الهدف من "عرض العضلات" الديمقراطي هو اضعاف الرئيس الحالي وليس عزله. من هنا، تبدو الحاجة ملحّة بالنسبة الى ترامب لايجاد بصيص نور من "انجاز" سياسي ما يمكن من خلاله ان يستعيد صورة الرئيس القوي الذي نجح في تحقيق ما لم يستطع غيره ان يحقّقه، وهنا تتّجه الانظار الى ​ايران​ بالتحديد. فبعد فشل المساعي والآمال التي كانت معلّقة على الاتّفاق مع كوريا الشماليّة واظهار ترامب بمثابة "رجل السلام"، اتّجهت الانظار الى ايران وكان الهدف من ازدياد الضغوط الاقتصاديّة عليها، الوصول الى اتّفاق نوويّ جديد يعطي الرئيس الاميركي الحالي ميزة "المنقذ" بعد ان باتت طهران بالنسبة الى دول الخليج مصدر رعب، وبالنسبة الى العالم محطّ شكّ وقلق بسبب ممارساتها البحرية.

وفيما اختارت اوروبا مساراً مختلفاً عن الاميركيين، لم تنجح القارة العجوز في التنصّل من تداعيات القرارات الاميركيّة، خصوصاً منها الاقتصاديّة، فكان البديل محاولة تقريب وجهات النظر بين الطرفين، وهو ما رأى فيه ترامب مصلحة له بطبيعة الحال، فقام بما يمكنه القيام به لإبقاء هذا الحل على قيد الحياة، فتفادى الضربة العسكريّة التي كان من الممكن ان تؤدّي الى حرب تتدهور فيها شعبيته في الداخل الاميركي بشكل دراماتيكي، كما طرد مستشاره للامن القومي ​جون بولتون​ المعروف بنزعته للحلول العسكريّة، وعمد الى اعلان نيته -بشكل علني وسري- ابرام اتفاق نوويّ جديد يعيد التقارب بين ايران والعالم الى ما كان عليه قبل خروج واشنطن من الاتفاق السابق.

وتبدو الحاجة الى ايران اكثر من ضرورية بالنسبة الى الرئيس الاميركي، فالانتخابات باتت على الابواب ومهلة سنة قد لا تكون كافية لإبرام اتفاق جديد، والتخلّص من أزمة الديمقراطيين يكون عبر تحقيق هذا الانجاز السياسي الذي من شأنه ان يعود بالفائدة الكبيرة على ترامب بشكل خاص والجمهوريين بشكل عام لاستعادة ما خسروه في الانتخابات النصفيّة السابقة، وليعيدوا امساك زمام الامور بالكامل بعد الانتخابات المقبلة عام 2020، ما يتيح الفرصة امام الرئيس الاميركي ليعيد تسويق وتعزيز ما اتّفق على تسميته بـ"صفقة القرن" وكل ما تتضمنه من امور كفيلة بتغيير صورة ​الشرق الاوسط​ بشكل جذري، واعطاء التكريم اللازم لترامب كي يغدو "البطل" الذي أبرم الاتفاقات اللازمة ب​سياسة​ العصا الاقتصادية "السحريّة" لتسوية الاوضاع التي عصت على جميع من سبقه.

وهكذا حوّلت ايران بين ليلة واخرى، من عدو لدود، الى خشبة خلاص مع العلم انّ الوقت لا يصبّ في مصلحة ترامب، بل هو حريص على انهاء الموضوع في اسرع وقت ممكن، دون ان يعلن عن ذلك بشكل علني، وهو ايضاً ما ترغب به ايران المتأثّرة بشكل جدّي بالعقوبات الاقتصادية القاسية التي تتعرض لها منذ فترة.