بعد حادثة ​أرامكو​، والضربة اليمنيّة القاسية التي وُجهت الى السعوديين، حاولت القيادة في المملكة تحويل الضربة الى فرصة للانقضاض على ​إيران​ بدعم دولي غير مسبوق، ولكن يبدو أن هذا الأمر لم يتحقق، فلم يركب أحد موجة الاتّهام السعودي المباشر لإيران بالهجوم على منشآت النفط، واكتفى الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ بتشديد العقوبات على المصرف المركزي الإيراني. أما موافقته على إرسال جنود أميركيين الى ​السعودية​ والإمارات، فلا شكّ أنها جاءت بمثابة "عمل" يقابله أجر.

من إيجابيات الرئيس الأميركي، وضوحه وصراحته، فالرجل يقولها للسعوديين والإماراتيين والبحرينيين علنا: "قاتلوا وسندعمكم، ولكن لا تعهّدات بحمايتكم، ودفْع الثّمن يجب أن يكون مُقدما فلا دعم بالمجان"، وفي هذا السياق تأتي موافقته على إرسال بضع مئات من الجنود الأميركيين بطلب إماراتي-سعودي، وبهدف "دفاعي" لتعزيز القدرات الدفاعيّة الجويّة للبلدين، فهل لهذا القرار أيّ تأثير على ما يجري في المنطقة؟.

يمكن القول الان ان خطوة العقوبات الإضافيّة على إيران، والموافقة على إرسال الجنود الأميركيين الى السعودية والإمارات، هم الرد على حادثة "أرامكو"، وبالتالي ما كان السعوديون يمنّون نفسهم بالحصول عليه انتهى الى غير رجعة، فالحرب غير موجودة في قاموس الرئيس الأميركي الحالي، ومن يريدها فليقم بها، اذ أنّه لم يقل يوما للسعوديين لا تهاجموا إيران، بل قال لهم أن اميركا لن تهاجمها.

لم تنجح المملكة في تدويل حادثة "أرامكو"، رغم تضمين كل بياناتها التي تتحدث عنها عبارات مثل "ضرب سوق النفط العالمي"، "استهداف الاقتصاد العالمي"، وغيرها من العبارات التي تدفع للتدويل، ولكن كل هذا الأمر لم ينجح بحشد العسكر بوجه إيران، التي تمكّنت بالمقابل من استمرار الصمود بوجه العقوبات الاميركية، وتوجيه الرسائل الناريّة على أكثر من صعيد.

في الامم المتحدة كان الرئيس الإيراني ​حسن روحاني​ واضحا في خطابه، بأن لا تفاوض في ظلّ العقوبات، وهذا ما باتت الإدارة الأميركيّة تفهمه جيدا، اذ سقط الرهان على جرّ طهران الى طاولة المفاوضات خوفا من العقوبات، وتمكّن روحاني من "نصح" السعودية بشأن اليمن، برسالة مبطنّة واضحة، بأنّ استمرار الحرب يعني استمرار الهجمات عليها، ولن تكون في مأمن بظل استمرارها.

ولكن، في إيران فُرضت عقوبات على المصرف المركزي، وهذه الخطوة ستكون صعبة للغاية على الشعب الإيراني، وهو تصعيد خطير من الأميركيين، وبحسب العارفين في الشؤون الإيرانيّة فإنه لن يبقى بلا رد، وسيكون كما في كل مرة في ساحة الحرب المفتوحة في المنطقة، في العراق وسوريا واليمن، خصوصا أن اوراق الحوثيين لم تُلعب كلها، ولا يزال لديهم الكثير في دول الخليج، ولعلّ الطائرة الصغيرة المسيّرة فوق مطار دبي كفيلة بإيصال الفكرة، وأيضا ما يزيد من حدّة الرسالة الإيرانيّة كانت الصورة التي نُشرت على موقع "مرشد الجمهورية الاسلامية في ايران ​علي الخامنئي​"، وتضمّه الى جانب أمين عام ​حزب الله​ ​السيد حسن نصرالله​ وقائد قوة القدس التابعة للحرس الثوري اللواء ​قاسم سليماني​.

لا شكّ انّ هذه الصورة الملتقطة في لقاء حديث، تحمل دلالات مهمّة في هذا التوقيت، سواء على المستوى اللبناني ام الاقليمي، ففي الشقّ الاول ينبغي التوقّف عند قدرة السيد نصر الله على التحرّك والسفر بظلّ حالة الطوارىء التي تعيشها اسرائيل، وفي الشقّ الثاني أتت تتويجا لخطاب نصر الله الذي أكد فيه أن المنطقة بأكملها أصبحت مترابطة، وأيّ حرب مع أيّ مكون من مكوّناتها سيعني الحرب المفتوحة.

المعركة الأساس تبقى بين أميركا وإيران، ولا يبدو أن أيًّا منهما يريد المعركة العسكرية المفتوحة، ولكن هل تنجح محاولات البعض بتوريط أميركا بالحرب؟.