قد يكون من المفيد، في ظل الأزمة الراهنة، العودة إلى الخطابات التي رافقت ​الإنتخابات النيابية​ في شهر أيار من العام 2018، عندما رفعت معظم القوى السياسية شعار ​مكافحة الفساد​، من دون أن يلمس المواطنون أي تغيير فعلي على أرض الواقع، وكأن ليس هناك من يستشعر خطورة ما تمرّ به البلاد على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي.

ضمن هذا السياق، يأتي التعامل مع التحركات التي شهدتها العديد من المدن، يوم الأحد الماضي، من قبل مختلف القوى السياسية، الأمر الذي يدفع إلى توضيح بعض النقاط، من أجل البحث عن حلول حقيقية في حال توفر الإرادة لذلك.

منذ أشهر، بات واضحاً أن هناك من يريد أن يدفع "​حزب الله​" إلى الشارع بأيّ ثمن، على قاعدة المواقف التي خاضَ على أساسها الإنتخابات النيابيّة الأخيرة، في حين أن معارضي الحزب يوجّهون السهام إليه بالمسؤولية عن الواقع الراهن، على قاعدة أن مواقفه هي التي دفعت بعض الدول العربيّة إلى وقف إستثماراتها، وإلى تشديد ​الولايات المتحدة​ الأميركيّة من عقوباتها الإقتصاديّة، لكن ماذا لو قرّر الحزب فعلياً التحرك؟.

الإتّهامات ستكون جاهزة بأنّه قرّر السيطرة على البلاد، وهي القائمة اليوم بغض النظر عن دقّتها، في حين هو عاجز عن تحقيق أيّ إنجاز نوعي في الحرب التي أعلنها على الفساد، نتيجة الخطوط الحمراء التي ترفع بوجهه.

بالتزامن، لا يمكن تجاهل وجود نوايا لإستهداف التسوية الرئاسيّة، بما تتضمّنه من تعاون أو تحالف بين ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ ورئيس الحكومة ​سعد الحريري​، إذ ان المتضررين من هذه التسوية كثر، ولديهم المصلحة في إفشالهما ومنعهما من تحقيق أيّ إنجاز، لكن في المقابل لا يمكن أن يصوّر أنصار "​التيار الوطني الحر​" وتيار "المستقبل" كل تحرك شعبي على أساس أنه إستهداف سياسي لهما، فالأزمة كبيرة والتعامل معها ينبغي أن يتمّ بطريقة أخرى.

ضمن هذا الإطار، ترى مصادر سياسية مطلعة، عبر "​النشرة​"، أنّ البوابة الحقيقية لأيّ معالجة يجب أن تنطلق من معادلة أنّ الوقت الراهن ليس لتسجيل النقاط، وبالتالي لا يمكن خوض معارك سياسية على أساس الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية القائمة، نظراً إلى أن جميع من هم في السلطة، سواء في ​مجلس الوزراء​ أو ​مجلس النواب​، يتحملون جزءاً من المسؤولية.

وفي حين تشير هذه المصادر إلى أن الغالبيّة العظمى من اللبنانيين تدرك أن معظم الطبقة السياسية الحالية فاسدة، تلفت إلى أنه في المقابل هناك قناعة بأن لا أمل في التغيير عبر الشارع، بسبب تركيبة النظام القائم التي لا تقبل التحولات الكبرى، وتشدّد على أن بنية ​النظام اللبناني​ أقوى من أيّ نظام آخر في العالم، نظراً إلى إرتباط المواطن بالجماعات السياسية القائمة منذ لحظة ولادته حتى وفاته.

إنطلاقاً من ذلك، تشدّد المصادر نفسها على أنّ التغيير يجب أن ينطلق من داخل النظام نفسه، لكن على قاعدة عدم القدرة على الإستمرار بالطريقة التي يدار فيها البلد منذ العام 1992 حتى اليوم، فمؤسسات الدولة لم تعد "البقرة الحلوب" التي من المفترض أن تؤمّن التمويل السياسي، ولا الأداة الفعلية لكسب الولاءات من خلال عمليّات التوظيف العشوائيّة.

من وجهة نظر المصادر المطلعة، حتى الآن لم تدرك معظم القوى السياسية حقيقة هذا الواقع، وهي تتعامل مع الأزمة الراهنة كما كانت في السابق، لكن المفارقة أنها في ظل غياب الرقابة والمحاسبة الداخليتين على ما يبدو هناك في الخارج من يتولى المسؤوليّة، بدليل المواقف التي أدلى بها المبعوث الفرنسي إلى لبنان بيار دوكان، المكلّف متابعة مقرّرات مؤتمر "سيدر"، خلال زيارته السابقة.

وتشدّد المصادر نفسها على أنّ مفتاح الحلّ هو بقناعة القوى السياسية الحالية، طالما أنها نجحت في نيل ثقة الناخبين مرة جديدة في الإنتخابات السابقة، بأن الهيكل سيسقط على رأس جميع من فيه في حال إستمرار الأمور على ما هي عليه اليوم، وبعد ذلك يمكنها أن تطلب من المواطنين تحمّل ما تسمّيه بالقرارات غير الشعبيّة، وتضيف: "المطلوب اليوم إعلان حالة طوارئ إقتصاديّة وإجتماعيّة حقيقية، يلمس المواطنون سريعاً نتائجها، بدل الرهان على إستغلال هذه الأوضاع لتحقيق مكاسب سياسية ما".

في المحصّلة، تشير المصادر نفسها إلى أن البعض قد يظن أن من غير المنطقي الطلب ممّن يتحمل مسؤوليّة تدهور الأوضاع إصلاحها، إلا أنها في المقابل لا ترى من حلّ آخر، طالما أن المواطنين لا يزالون يختارون القوى السياسية نفسها لتمثيلهم.