أوحت كلّ المعطيات الداخلية أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية و​المملكة العربية السعودية​ مقبلان الى حوار قريباَ، بعد إستنزاف كل السُبل العسكرية والسياسية في النزاع غير المباشر القائم بينهما، وخصوصا في ​اليمن​. حان وقت التسوية بين الرياض وطهران. لم يعد هناك مجال للتهرب ولا للمكابرة. تقضي مصلحة السعوديين والإيرانيين بإستيلاد تسوية سياسية منصفة على قاعدة: لا غالب ولا مغلوب. ومن هنا جاءت تصريحات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عن وجوب الحلول السياسيّة إقليمياً، بعدما تحدّث عن النتائج السلبيّة للحروب القائمة. بدت هذه رسالة واضحة من قيادي سعودي رفيع المستوى يعبّر عن قرار وليس عن تمنيات سعوديّة بما يتعلق بالمرحلة المقبلة إقليميا. ثم جاء الكلام الإيراني عن وجود رسائل سعوديّة وُجهت لطهران حول إستعداد الرياض للحوار مع الإيرانيين. ولو لم يكن القبول الإيراني بمضمون إحدى الرسائل السعوديّة حاصلاً، ما كانت طهران كشفت على لسان الناطق الرسمي عن وجود تلك الرسائل. مما يوحي بالجدّية المستوحاة من جوهر الرسائل المُرسلة الى القيادة الإيرانية. وقد يكون إعلان الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني عن مبادرة السلام في كلمته على منبر الأمم المتحدة نابعة من حقيقة انّ الإيرانيين وصلوا إلى نتيجة تفيد ان السعوديين وخلفهم الأميركيون مستعدون للتسوية الآن اكثر من اي وقت مضى، خصوصا ان الحرب التي قادتها الرياض في اليمن وصلت الى حائط مسدود، وصارت نتائجها مكلفة جدا على الممكلة بعد ضربة "آرامكو". وفي ذات السياق يندرج الردّ السعودي الإيجابي على مبادرة ​الحوثيين​ لوقف إستهداف السعوديّة بالطائرات المسيّرة او الصواريخ. وهو ما كانت مهّدت له ​الإمارات​ العربيّة المتحدة بإجراء مفاوضات مع الحوثيين لتحييد الإمارات عن المشهد. الآن تمضي الرياض خلف خيار ابو ظبي، في وقت لا تمانع فيه الولايات المتحدة الأميركيّة سلوك هذا الخيار، بعدما نأت واشنطن بنفسها عن الدخول المباشر بمعارك عسكرية لصالح السعوديّة في اليمن وغيره، عبر وضع الرئيس الأميركي ​دونالد ترامب​ شرطاً هو: مزيد من الأموال لحماية الرياض.

فكلّ ما تريده الولايات المتحدة هو المال، ولا ترغب بحصول او الدخول في أي حرب عسكرية، لأن التركيز الأميركي قائمٌ على الإعتماد على الحروب الإقتصادية فقط.

واذا كانت كل تلك المعطيات عزّزت من وجود نوايا لعقد تسوية تاريخيّة، فإنّ التحركات والجولات التي يقوم بها العراقيّون والباكستانيّون بين طهران والرياض يؤكّد أن الحوار مقبل والتسوية ستتم.

فما هي عناوين الحوار؟

بالطبع فإنّ الهم السعودي الأساسي هو اليمن، في كيفية إخراج تسوية مشرّفة لا تكسر المملكة. لا يريد الحوثيون تسويات منقوصة، وهم يملكون المبادرة الميدانيّة، لكنهم يعرفون انّ قيادة البلاد مستقبلاً ستكون صعبة بوجود قوى متطرّفة، وطموحات جنوبيّة لترسيخ الإنفصال القائم عملياً. عدا عن الهموم الإقتصادية: من يعيد الإعمار؟ من يدفع الاموال في حال وقفت الحرب وتجمّدت الإيرادات؟ كلها اسئلة مطروحة. خصوصا أنّ الإيرانيين يعانون من حصار مفروض عليهم عبر ​العقوبات الأميركية​.

يأتي لبنان في اسفل الإهتمامات الإقليميّة. لأنّ الاثقال اللبنانيّة باتت كبيرة إقتصادياً. لن تتحرك الرياض هذه المرة لإنقاذ لبنان مالياً. فعلت ذلك سابقا يوم كان أولوية على الأجندات الإقليمية، وعندما كانت المملكة في إرتياح مالي تام. فالرياض اليوم تعيش ألماً إقتصادياً مضبوطاً بعدما انهكتها حرب اليمن، الى جانب الانكماش العالمي.

يردّد كل المسؤولين العرب والأجانب ان انقاذ لبنان متعذّر ما لم يقم اللبنانيون بإجراءات داخلية تبدأ بسدّ مزاريب الهدر، وهو لم يتحقّق حتى الآن. لكن الأهمّ انّ واشنطن التي تفرض عقوبات على "​حزب الله​" تزيد من حجم الإجراءات الدوليّة العقابيّة بحق اللبنانيين الذين تعتبرهم بيئة حاضنة لخيارات الحزب السياسية. لذلك، لا علاقة مباشرة لأيّ عاصمة إقليمية بلبنان، ولا للحوار السعودي-الإيراني، ما لم تكن هناك اجراءات لبنانيّة تفرض الصمود المالي والإقتصادي لتخطّي العقوبات ومتفرعاتها وتداعياتها. لكن يعتقد المراقبون انه "بمجرد الحلّ الإيراني-السعودي يحصد لبنان إرتياحا في عودة السياحة الخليجيّة اليه، وتحريك دوره كرابط وصلة وصل قوية ومتينة". فهل يكفي ذلك؟ يقول المراقبون ايضاً: لا يكفي الحوار السعودي-الايراني رغم ايجابياته، بل المطلوب تسوية أميركيّة-ايرانيّة باتت ايضا مشروعا موجوداً على الطريق.