انقشع الغبار وبانت الحقيقة التي لا غبار عليها، وهي ان ​رئيس الجمهورية​ العماد ​ميشال عون​ هو المستهدف من التحركات التي شهدها ​لبنان​ في اليومين الماضيين. بالشكل والمضمون، بدا ان الهدف من التحركات في الشارع هو ارسال رسالة الى عون مفادها انه لا يمكنه قطف ثمار ما يمكن ان يحصده البلد من امور ايجابية على الصعد الاقتصادية والمالية، كما انّ عليه التوقف والتفكير في ما يطلبه وما يقوم به من امور تسيء الى صورة باقي الاطراف السياسية التي يلجأ اليها حيناً ويبتعد عنها احياناً.

التحرك في الشارع يوحي منذ اللحظة الاولى بعدم تنظيم وعشوائيّة في المواقف بحيث تعددت اسباب التظاهرات التي اقيمت، اما العشوائية والغوغائيّة من حيث اشعال الاطارات ورمي ​النفايات​ في الشوارع، فهي لتوجيه رسائل حقّ انما يراد بها باطل. يعلم الجميع مدى القساوة التي يعيشها ​اللبنانيون​ اليوم بفعل الازمة الاقتصاديّة والتي زادتها حدّة المشاكل المفتعلة ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ازمة ​الدولار​ ورفض التدابير الاقتصاديّة التي يضغط الخارج لاتّخاذها للنهوض بلبنان. استبق عون الموضوع وكان دعا الى اجتماع مالي–اقتصادي-سياسي في ​بعبدا​ لتفادي هذه المظاهر والممارسات تحديداً، ولكنه فوجىء بها وبتوقيتها وبتزامنها مع حملة ضده بهدف اضعافه وعدم اظهاره على انه مميز عن الآخرين، وان ما اراده من اجتماع بعبدا المذكور آنفاً، ذهب ادراج الرياح ولم يعد يحظى بتغطية الاطراف السياسية.

هناك مآخذ كثيرة على عون منذ بداية العهد، واخطاء يمكن تعدادها، انما لا يمكن لعاقل ان يعتبر ان الازمة التي نعيشها اليوم هي بسبب اجراءات اتخذت منذ ثلاث سنوات ونيّف، وانه لو كان هناك رئيس آخر غير ميشال عون، لكانت الازمات انفرجت الواحدة تلو الاخرى وبتنا نعيش بنعيم وجنة ما بعدها جنة. هذا الكلام الشاعري لا يصلح على ارض الواقع، فالسياسيون جميعهم مسؤولون عن الازمة، واذا كان الهدف عدم ترك عون يقطف ثمار ما يمكن ان يشهده لبنان من مرحلة ايجابية في وقت لاحق، فإن اظهار الجميع بمظهر الملائكة مبالغ به ايضاً.

لم تعد تقنع العبارات الجاهزة من ان التحركات والتظاهرات كانت عفوية واتت للتعبير عن امتعاض اللبنانيين من وضعهم الحالي، لانه وللاسف اثبتت التجارب والخبرات على مر السنين ان الشعب غير جاهز للدفاع عن مصالحه، وانه لا ينزل الى الشارع الا بتعليمات من زعمائه السياسيين وهذا أمر مفرغ منه، على رغم كل الاوضاع الصعبة التي تشاطره حياته اليومية وتطال لقمة عيشه. ولعل الحسنة الوحيدة في هذه التحركات، هي انها اسقطت الاقنعة السياسية، وبقيت ضمن سقف احترام الاستقرار الامني وعدم انهاك الجيش في التصدّي لمحاولات التخريب، على غرار ما كان يحصل سابقاً في اكثر من مناسبة. ذرائع كثيرة اعطيت من اجل تبرير الاحداث والتطورات الاخيرة ان لجهة "ملل الشعب من الوعود"، او لناحية "الضغط الخارجي لفرض التوطين"، او كي "يخفف لبنان من رفع سقفه في رفض ما عرض عليه"... ولكن الثابت في كل هذه المواضيع هو ان شكل الحدث بدأ يتبلور انما على قاعدة "اشتدّي يا ازمة تنفرجي"، وشرط الا يكون هناك مستفيد واحد من المسألة، بل يتم تقاسمها من قبل الجميع كالعادة، في مسعى لابقاء الاطراف السياسية على حالها في الادوار المعطاة لها.

تنبّأ الجميع بأوضاع صعبة سوف يشهدها لبنان ويعاني منها اللبنانيون، وردّد الكثيرون على ان الانهيار غير وارد وهو امر صحيح، ويبقى ان نعرف كيف نتخطّى هذه المرحلة الاخيرة التي تهيّء لارساء سكّة جديدة للحلّ من شأنها ان تضخّ الهواء في الرئة اللبنانيّة، دون ايّ ضمانة على انها ستعيد صحة البلد وعافيته الى ما يطمح اليه محبّو لبنان والمؤمنون به.