أكّد مصدر وزاري لصحيفة "الشرق الأوسط" أن "تجدّد الاشتباك السياسي يكمن في أنه لم يقتصر على المكونات الرئيسية المشاركة في ​الحكومة​، وإنما انسحب هذه المرة على علاقة بعضها ب​رئيس الجمهورية​ ميشال عون، من خلال اتهام الفريق الوزاري المؤيد له بأن هناك مَن استغل النزول إلى الشارع، وعمد إلى استهداف أبرز رموز الدولة، أي الرئيس الماروني الذي هو رأس السلطة في ​لبنان​"، مشيرًا الى أن "الاشتباك السياسي تلازَمَ مع البحث عن مخرج لتأمين فتح اعتمادات مالية ب​الدولار​ لاستيراد المشتقات النفطية والأدوية والقمح وهذا ما تأمّن لاحقاً من خلال التدبير الذي أصدره حاكم ​مصرف لبنان​ ​رياض سلامة​ بعد تلقيه جرعة غير مسبوقة للدفاع عن ال​سياسة​ النقدية التي يتبعها للحفاظ على الاستقرار المالي، صدرت عن البطريرك الماروني ​بشارة الراعي​ في عظته، الأحد الماضي، إلى جانب دفاعه عن ​قيادة الجيش​ في وجه الهجمات التي تستهدفها".

ولفت المصدر إلى أن "ما صدر عن البطريرك الراعي كان موضع ترحيب تجاوز الساحة المحلية إلى الإقليم و​المجتمع الدولي​"، وأوضح أن "التعميم الذي أذاعه سلامة كان موضع تشاور بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة ​سعد الحريري​ ووزير المال ​علي حسن خليل​ و​جمعية المصارف​، خصوصاً أنه ربط فتح الاعتمادات بقيود لمنع استنزاف احتياط مصرف لبنان بالعملات الصعبة، من غير أن يدعمه بأموال جديدة".

واعتبر أن "فرض هذه القيود في حاجة إلى آلية أمنية وقضائية ورقابية لتوفير الحماية لأسواق الصرف وتبادل العملات، خصوصاً أن عدم حصول تحويلات بالعملات الصعبة من لبنان إلى الخارج، في ظل احتدام الأزمة الاقتصادية والمالية يدعو إلى الاطمئنان حيال السيطرة على هذه الأسواق".

ولم يؤيد المصدر ما تردد ويتردد عن أن التعرض لرئيس الجمهورية ممن نزلوا إلى الشارع جاء بناء على أمر عمليات حظي برعاية المعترضين على توجهه للحوار مع النظام في سوريا لتأمين عودة ​النازحين​، وقال: "لا يجوز إقحام عودة النازحين بالحركة الاحتجاجية، خصوصاً أن ترحيب دمشق باستقبالهم، بلسان وزير الخارجية ​وليد المعلم​، في خطابه الذي ألقاه من منبر الأمم المتحدة لا يُصرف في مكان، على الأقل في المدى المنظور، ما دام أنه ربط إعادتهم بتأهيل البنى التحتية وتوفير الخدمات والمباشرة بإعادة بناء القرى والبلدات المهجرة".

ورأى أن "لا مصلحة لرئيس الجمهورية في أن يتحول ​مجلس الوزراء​ إلى ساحة حرب بالمعنى السياسي للكلمة تُقام في قاعته المتاريس لأنه سيكون المتضرر الأول، ولا أظن أنه يتصرف هكذا مع اقتراب دخول ولايته الرئاسية عامها الرابع". وأضاف أن "مجرد إحداث صدمة إيجابية تدعو إلى التفاؤل بتوفير الحلول، ولو على مراحل، للأزمة الاقتصادية المالية في الإفادة من مقررات (​مؤتمر سيدر​)، سيسجل في خانة الإنجازات للعهد القوي الذي هو في حاجة إليها".

وتوقف المصدر الوزاري أمام "ارتفاع منسوب التأزم السياسي، سواء في داخل الحكومة أو بين بعض جهاتهاورئيس الجمهورية"، ورأى أن "للأخير القدرة على خفض منسوبه بدلاً من إقحام البلد في لعبة تصفية الحسابات التي سيتضرر منها الجميع بلا استثناء".

وخلص المصدر إلى أنه "لا يبدو أن هناك مَن يُعِدّ لمؤامرة تستهدف الرئاسة الأولى، وبالتالي فإن لجوء بعض مَن هم في فريق عون السياسي إلى التلويح بالاقتصاص ممن استهدفوا الرمز الأول في الدولة، من شأنه أن يدفع في اتجاه تعقيد الأمور، من دون أن يعني هذا الكلام أن هناك مَن يتعاطف مع كل من حاول الإساءة إليه".

وشدد على أن "هناك ضرورة لتضافر الجهود بغية تفكيك الاشتباك السياسي، وإبطال فاعليته، في التأثير السلبي على التضامن الحكومي، في وقت تتطلع فيه الأنظار إلى إقرار موازنة العام المقبل بالتعاون مع ​المجلس النيابي​ لتأتي برمتها على قياس الاستجابة للتعهدات اللبنانية أمام مؤتمر سيدر، بما يعبد الطريق للإفادة منها للنهوض بلبنان من أزماته المالية والاقتصادية".

وفي هذا السياق، سأل المصدر عن "جدوى تنظيم حملة ضد سلامة يرعاها عدد من المنتمين إلى "​التيار الوطني الحر​"، بذريعة أن وجوده لأكثر من عقدين على رأس حاكمية ​المصرف المركزي​ بات يتطلب اختيار مَن يخلفه"، مشددًا على أنه "لا مبرر لمثل هذا الهجوم، وهل تأتي المطالبة بإعفائه من منصبه من باب مكافأته على دوره في الحفاظ على الاستقرار النقدي؟"

كما سأل عن "جدوى إصرار "التيار الوطني" على خوض المعارك المفتوحة ضد معظم المكونات في الحكومة بدلاً من أن يمون على القيادي فيه النائب ​زياد أسود​ ويطلب منه وقف حملاته التي كانت وراء تأجيل الحوار الذي كان سيقيمه ​تيار المستقبل​ مع الوزير ​جبران باسيل​، فتأجيل الحوار لم يكن إلا رسالة لباسيل على خلفية أنه لم يصدر منه أي رد على أسود مع أن مجرد تأجيله كان في محله لقطع الطريق على تصاعد المعارضة بداخل «المستقبل»، احتجاجاً على استضافته".

وبحسب المصدر الوزاري، "يتحمل "التيار الوطني" مسؤولية تفخيخ الأجواء السياسية داخل الحكومة، تارة بتحميله حزب "القوات اللبنانية" مسؤولية وقوفه وراء بث الشائعات ضد رئيس الجمهورية، وتارة أخرى بوقف الحوار مع الحزب "التقدمي الاشتراكي" الذي انتقد، كما يقول مسؤول بارز فيه، "عدم التوازن القضائي" في التعاطي مع حادثة ​قبرشمون​".

وعليه، فإن "الحريري لن يلتفت إلى الحملات التي تستهدفه وينصرف إلى التحضير لإعداد الموازنة من جهة ولرزمة الإصلاحات المالية والإدارية لخفض العجز في موازنة 2020، لكن هذا لا يعني، كما يقول المصدر الوزاري، أن التسوية السياسية ما زالت في أمان بل أُصِيبت باهتزاز، وكادت تتحول إلى تجربة عرجاء، والمسؤولية لا تقع على عاتق الحريري الذي ينأى بنفسه عن الدخول في السجالات وتبادل الحملات الإعلامية والاتهامات السياسية، إنما تقع على الشريك الآخر فيها".