انتفض ​العراق​يون على الظلم الذي يعيشونه منذ سنوات تحريرهم الاول من قبضة صدام حسين، ولكنها ليست الانتفاضة الشعبيّة الاولى التي تحصل في المدن العراقيّة استنكارا للوضع الاقتصادي السيّء في بلاد النفط، واحتجاجا على واقع الفساد الذي جعل البلد في مراتب البلاد الاكثر فسادا حول العالم، فهل تنجح الثورة على الفقر أم تتحوّل الى عاصفة سياسيّة تدمّر مكتبسات العراق في السنوات الماضية، وهل هي ثورة شعب، ام شغب؟.

كثيرة هي الأسئلة التي يمكن أن تُطرح حول التحركات، يقول مصدر عراقي مطلّع، مشيرا الى أن "كل من يقول أن مطالب الشعب غير محقة هو كاذب وخائن وفاسد، وكل من يقول بأن التحركات لم ولن تشهد استغلالا سياسيا بشعا فهو أعمى".

المطالب محقة...

لم يعد بإمكان حجّة المسؤولين العراقيين القائلة بأنّ البلد لم يخرج من احتلال الا ودخل في غيره، كافية لإسكات الشعب العراقي، فإذا كان مفهوما تأخر بعض الخدمات بسبب الحروب المتتالية، فلا شيء يبرر الفساد الذي ينخر عظم الجمهورية، فأفرغ خزائنها، وهجّر أطباءها، وأخرج خيرها وفجّر الشرّ بها. من هذا المنطلق يثور الشعب، ولكن ما هي الخلفيّات السياسية للتحركات ومن يحاول ركوب موجتها؟!.

في زمن الإشاعات التي تضرب لبنان عبر وسائل التواصل وتؤثر في اقتصاده، يبدو أن الأمر ينسحب على كل البلاد العربية ومنها العراق، فخلال بضع ساعات الأربعاء مثلا، غزت وسائل التواصل العراقيّة مئات آلاف التغريدات الداعية لتحميل ​إيران​ ما يجري في العراق، ونشر أكاذيب حول احتلال مطار بغداد، سقوط مئات القتلى في الشوارع جراء الرصاص، اتهام "سرايا الخرساني" وهي تنظيم مدعوم من إيران، بإطلاق النار على المتظاهرين في بغداد، وغيرها الكثير الكثير من الأكاذيب التي تحمل في طيّاتها مؤشرات خطيرة حول نيّة البعض تجاه التحركات في الشارع.

بين ​السعودية​ و​أميركا

يرى المصدر العراقي أنّ الاحزاب السياسية العراقيّة لم تنجح بتقديم نموذجا عادلا في الحكم، فغرق البلد في الفساد، ولكن من الناحية السياسية هناك من يعمل على إثارة مشاعر العراقيين بوجه إيران، واسترجاع العداوة القديمة معها، وتحميلها مسؤولية الوضع العراقي، وهنا لا يمكن أن يكون المتورّط سوى جهتين. الاولى وهي السعودية التي خسرت الكثير في الأسابيع الماضية من لبنان الى ​سوريا​ و​اليمن​ والعراق، والتي لم تعد تملك متنفّسا سوى على الساحة العراقيّة، فتمكّنت من استثمار التحرّكات لرزع الشقاق بين الشيعة العراقيين والايرانيين، والثانية هي الولايات المتحدة الاميركية لاستكمال حربها مع إيران.

ويضيف المصدر: "الاحتمال الثاني أخطر، لأنّه يعني استكمال الحرب الاميركيّة-الايرانيّة على أرض العراق، لثلاثة أسباب، الاول معاقبته على موقفه الرافض ل​صفقة القرن​، والثاني إضعافه وإيران سويّة، اذ أن تخريب العلاقة بينهما لا يمكن ان يصبّ الا في صالح خصوم إيران، والثالث، وهو الأبرز، وهو ضرب مساعيه لإطلاق الحوار بين السعودية وإيران، الامر الذي بدأه بعد زيارة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، والذي قطع فيه شوطا مهما".

دور المرجعية الدينية

ليس باستطاعة أي حزب أن يلامس مشاعر العراقيين في تحركاتهم، أو أن يكون قائدا لهم، بالتحرّك من عدمه، فهذا الدور لا يلعبه في العراق سوى جهّة واحدة هي المرجعية الدينيّة للسيد ​علي السيستاني​، وبالتالي تتجّه الانظار نحوها اليوم، لتحديد ما اذا كانت ستتوجه برسالة الى الشعب العراقي أم ستنتظر، خصوصا أن الامور أصبحت خطيرة جدا، والاستغلال السياسي الخارجي قد يحمل الويلات في الأيام المقبلة التي سيشهد فيها وفودا مليونيّة مشاركة في ذكرى أربعين الإمام الحسين في كربلاء.

ولكن بنفس الوقت، تكشف المصادر أنّ المرجعيّة الدينيّة لن تطلب توقّف التحركات فقط، لأنها من اكثر وأشد المطالبين برفع الظلم عن العراقيين ومحاربة الفساد، وبالتالي فإنّ أيّ موقف لها سيراعي هذه المسألة.

خلال أيام سيزور العراق ملايين الإيرانيين، الامر الذي يثير التساؤل حول مسؤوليّة أمنهم بحال استمرّت إثارة المشاعر العدائيّة لطهران، ومدى قدرة الشرطة على حماية الحجاج والزوار، وبنفس الوقت السيطرة على تحركات الشارع، وما يتخلّلها من إضطرابات، مع الإشارة الى أن نجاح الخطط بضرب العلاقة بين العراقيين والايرانيين ووقوع قتلى في أيّ تصادم قد يفتح أبواب جهنّم على البلدين.

يشدّد المصدر على أنّ عدو العراق ليس إيران، وهذا ما ينبغي على العراقيين معرفته، ولكن هذا لا يعني أنّ القيادة الإيرانية لا تحاول دعم حلفائها فيه لتكون الجبهة موحدة، ولا يعني بأن لا عتب عراقي على إيران، إنما هذا ليس مبررا للعراقيين لتضييع بوصلتهم، وعدوّهم الحقيقي، وبانتظار معجزة تحمي هذا البلد تمّ تعطيل الانترنت، وفرض حظر التجوّل في أكثر من مدينة.