ما الذي تغيّر بعد مرور عام على جريمة قتل الصحافي جمال الخاشقجي في السفارة السعودية في ​تركيا​؟ لا يمكن القول انه لم تحدث تغييرات منذ ذلك الوقت، ولكن من المبالغ به الحديث انها اتت على قدر المواقف والتصريحات التي صدرت بعد الكشف عن الجريمة والفترة التي تلتها. فمن ناحية، خفّت اللهفة الدولية تجاه ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، وبات ظهوره الاعلامي نادر جداً فيما كان مالىء الدنيا وشاغل الناس بالحديث عن اصلاحاته وطموحاته للمملكة وتهيئة نفسه كخليفة سريع لوالده الملك سلمان بن عبد العزيز. كان ولي العهد في حركة لا تهدأ وتنقلاته لم تعرف حدوداً جغرافية فيما بدأ نسج شبكة اتصالات وعلاقات دولية هيأت له الارضية المناسبة لتولّي العرش في وقت قصير دون رفض او معارضة من الخارج، فيما احكم قبضته على الداخل بشكل كامل وبسرعة فائقة. اصابع الاتّهام بالضلوع في مقتل الخاشقجي، لاحقت الامير بن سلمان طوال عام، وادّت بالفعل الى تأخير خططه والملفّات التي كان يعمل عليها، ولكنها في المقابل لم تصل الى الحدود التي كان يتوقّعها الكثيرون، ويبدو ان الامير السعودي كسب رهانه على عامل الوقت.

وبعد الدفاع الفوري للرئيس الاميركي ​دونالد ترامب​ عن حليفه وارسال رسالة واضحة بوجوب "عدم التعرض له"، اتى التراجع الغريب للرئيس التركي ​رجب طيب اردوغان​ الذي كان اشعل وسائل الاعلام ومواقع التواصل بحدّة كلامه وتصميمه غير القابل للبحث، عن سوق المسؤولين عن الجريمة الى القضاء مهما علت مكانتهم، وها هو اليوم شبه غائب عن الساحة، ويكاد لا يذكر ايّ شيء عن الاحداث الفظيعة التي كشفتها الاستخبارات التركيّة لنظرائها في العالم. وعليه، يمكن وضع التهديد التركي لبن سلمان في الثلاّجة كونه لم يعد حامياً ولا يشكّل اي خطر.

اما على صعيد التحقيقات الدولية في الجريمة، فيمكن القول انها ولدت ميتة، كون المسائل المتعلقة ب​الامم المتحدة​ تخضع لسياسة الدول القويّة، اياً كان مضمونها، ولا يمكن الوصول الى قرار مستقل بشأنها، لان التدخلات تنجح دائماً في قمع ايّ محاولة او طموح في الوصول الى الغاية المرجوّة، والامثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى. ومن ناحية الدول الكبرى ايّ الولايات المتحدة و​روسيا​ وفرنسا (التي غالباً ما تمثل ​اوروبا​ بمواقفها)، فالامر يعتبر منتهياً، فهم ابعدوا انفسهم عن ولي العهد السعودي مسافة كافية لتبقيهم بأمان من انتقادات مواطنيهم ووسائل الاعلام، وتركوا الامور تأخذ مجراها ليقرروا في نهاية المطاف ما اذا كانوا سينصرون بن سلمان في مسعاه (اذا ما خرج من الازمة بشكل تام)، او ابقاء الستاتيكو على ما هو عليه، والدعوة الى الله باطالة عمر والده الملك الحالي، كي لا تخرج الاوضاع عن طورها وتأخذ منحى غير متوقع تهدد معه بالاطاحة بكل ما تحقق في الفترة الاخيرة على صعيد المنطقة.

الوضع الحالي لبن سلمان غير مأساوي، انه وضع الترقب والانتظار وافساح المجال امام الوقت ليفعل مفعوله، ولا تزال خطط وطموحات الامير السعودي موجودة، ولكنها في فترة ركود حالياً ريثما تمر هذه الغيمة التي رست فوق رأسه لفترة من الزمن، ومن المؤكد ان عجلة دوران مشاريعه ستعود انما ليس في الوقت الراهن، وما التصريح الذي خرج به صلاح خاشقجي (ابن جمال) منذ ايام قليلة وفيه عدم قبوله استغلال قضية والده "للنيل من وطني وقيادتي"، سوى دليل اضافي على تحضير بن سلمان الارضيّة لعودته الى الاضواء من جديد، انما خطوة تلو الاخرى ودون تسرّع، الى ان يسيطر على الاوضاع من جديد ويعيد تقبّل الخارج له برحابة صدر.