رأى رئيس حزب "​الحوار الوطني​" النائب ​فؤاد مخزومي​ أن "ما شهدناه من احتجاجات شعبيّة في بيروت ومناطق عديدة من ​لبنان​، سبق أن حذرت منه منذ أكثر من سنة، ونبهت من سعر صرف الليرة ومن فوضى السياسة الاقتصادية والفساد والهدر"، لافتاً إلى أن "الغضب الذي نشهده اليوم هو من مسؤوليّة الحكومة والطبقة السياسية المتعاقبة على السلطة منذ الطائف، ولا جدوى أن تتملص من المسؤولية عن سوء إدارتها للبلد، ويجب أن تتحمل المسؤولية وتكفّ عن تقاذف الاتهامات وإلا سيصل البلد إلى الخراب حتماً".

وفي حديث مع "النشرة"، أكد مخزومي أن "الاحتجاجات الشبابية تشكّل جرس إنذار للمسؤولين والطبقة السياسية عموماً للخروج من المأزق المالي والاقتصادي الذي أدخلوا البلد فيه لذا من الضروري استدراك الأوضاع فوراً".

غياب الثقة والشفافية

ورأى رئيس حزب الحوار الوطني أنه "لا يخفى على أحد أن البلد يمرّ بوضع صعب وخانق، في ظل غياب الثقة والشفافية وسيطرة الفساد والمحاصصة، وسبق أن حذّرت مراراً من الوصول إلى مرحلة منع التحويلات بالدولار والصعوبات الماليّة عموماً، فالمشكلة أن تثبيت سعر صرف الليرة لسنوات طويلة لم يكن حقيقياً وليس عادلاً في الوقت عينه"، لافتاً إلى أنه "صحيح أننا شهدنا إقراراً لموازنة 2019، التي رفضتها، لكننا لم نشهد تطبيقاً لسياسة اقتصاديّة من شأنها تحريك عجلة الاقتصاد، وقد أصبح لبنان يعاني اليوم من وضع في غاية الصعوبة لأسباب داخليّة وخارجيّة على حد سواء".

ولفت مخزومي إلى "أننا نرى بوضوح أرقام الهجرة المخيفة التي لا تعكس أي استقرار للمواطن في بلده، ونرى الفساد الإداري وسرقة المال العام والمعابر غير الشرعية و​الضرائب​ غير المدروسة على المواطنين والخدمات السيئة لناحية ​النفايات​ والبيئة والكهرباء والمياه، هذا بالإضافة إلى انخفاض التحويلات الماليّة من المغتربين اللبنانيين، وغياب الاستثمارات الخارجية، وتوقف الصادرات والعقوبات الاقتصاديّة والماليّة التي تفرض على ​المصارف​"، معتبراً أنه "في ظل كل هذه الأزمات، أصبح لا بدّ من وضع رؤية اقتصاديّة تنموية وتخطيط اقتصادي طالما طالبت بهما، إذ من شأن ذلك إنقاذ البلد من الوضع المأزوم الّذي يمرّ به، عدا عن ضرورة تطبيق الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي التي أوصى به اتفاق الطائف".

ورداً على سؤال حول الحلول الممكنة للأزمة، رأى مخزومي أنه "من الضروري أولاً طمأنة المواطن الذي فقد الثقة بالمسؤولين، والحراك المتصاعد خير دليل على الغضب الشعبي الذي يقترب من الإنفجار. وهذا الأمر أصبح يستدعي تحركاً سريعاً من جانب المسؤولين للإسراع في إنجاز موازنة 2020 حيث من الضروري أن تتخذ طابعاً مختلفاً عن سابقتها لا سيما لجهة وقف الهدر ومحاربة حقيقيّة للفساد والكشف العلني عن الفاسدين ومحاسبتهم"، مشدداً على ضرورة تنفيذ الاصلاحات لجذب المستثمرين"، متسائلاً "لماذا شكل رئيس مجلس الوزراء لجنة للإصلاح المالي والاقتصادي والحكومة دورها تنفيذي، ولديها بيان وزاري"؟.

زيارة غير ناجحة للحريري...

وكشف أن "زيارة رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ الأخيرة إلى فرنسا لم تكن مشجّعة، إذ ان الوعود وتنفيذ مقررات "سيدر" مشروطة بإصلاحات على الحكومة القيام بها. ولكن السؤال هنا هل ستستطيع فعلاً تنفيذ ما هو مطلوب، في ظل السياسات المعتمدة في إدارة الملفّات؟ فمثلاً في ملفّ الكهرباء الوعود بالجملة عن أن المواطنين سيحصلون على الكهرباء 24/24، في حين أنه تمّ ترسية عقد في دير عمار منذ 18 شهراً لكنه لم ينفّذ لغاية اليوم، وكان تبرير وزيرة الطاقة أنهم يحتاجون إلى التمويل"، مكرراً تأكيده أن "البلد بحاجة إلى خطّة تنموية جدية للوصول إلى شاطئ الأمان، إذ أنه حتّى اليوم لا تزال الطبقة السياسية غير واعية لحجم الأزمة الماليّة والاقتصاديّة التي وصلنا إليها، فهي تنتظر العون الإلهي الذي لن يأتي، لأنّ ما عليها القيام به هو وضع رؤية واضحة للإنقاذ".

وبما يخص ​الموازنة​، أوضح مخزومي أن "موازنة العام الجاري تأخرت كثيراً ومن المفترض أن تكون الحكومة أنجزت موازنة العام 2020 قبل آب الماضي، إلا أن ذلك لم يحصل، لذلك لا يجب إضاعة المزيد من الوقت في النقاشات والعمل على إقرارها والبدء بتنفيذها بأسرع وقت ممكن، فالبلد اليوم يمر بمرحلة خطيرة"، معتبراً أن "موازنة العام المقبل فرصة مؤاتية للتغيير والنهوض بالاقتصاد وبالطبع سنوافق عليها إذا ما كانت واقعية وإصلاحية وتخدم مصلحة الشعب أولاً، إذ كان المأخذ الأساسي على موازنة 2019 هو مسّها بجيوب المواطنين ممّا دفعنا إلى التوقيع على مشروع الطعن المقدّم إلى المجلس الدستوري من وفد نادي قضاة لبنان، ومشروع الطعن المقدم من ​العسكريين المتقاعدين​. فلطالما كانت الأولويّة بالنسبة إلينا هي مصلحة المواطن لا سيما أصحاب الدخل المحدود والمتوسط".

ورداً على ما يُشاع حول توجّه الحكومة للإستقالة، أشار مخزومي إلى "أنني لا أعتقد أننا بصدد الكلام عن استقالة حكومة في هذا الوقت الدقيق الذي يمر به لبنان والمنطقة عموماً"، مضيفاً "نعم، منحنا الحكومة ثقة مشروطة بمدة 6 أشهر، وقد مرّ أكثر من 9 أشهر ولم نلمس أيّ جدية في التعاطي مع الملفّات الملحّة. لكن من الواضح أن لا رؤية اقتصاديّة مهما كان نوعها والتخبّط يحكم الحكومة وأظن أن الوضع يتدهور. فمنذ مجيء أول حكومة لرئيس الحكومة الراحل ​رفيق الحريري​ والتي أتت بها ثورة شعبيّة، علماً ان الأخير كان صاحب رؤية اقتصادية، إلا أن ما شهدناه فيما بعد هو أنه لم يعد هناك أي وضوح في السياسات الاقتصاديّة. ونحن نعلم أن السياسة تحكم الاقتصاد في لبنان، وإذا لم تسارع الحكومة إلى الإصلاح فإن الوضع سيحتاج إلى حكومة تكنوقراط بعيدة عن الاستقطابات السياسية القائمة وإلا سنشهد انتفاضة شعبية".

وشدّد مخزومي على أنه "علينا اليوم دعم الحكومة القائمة لأن البلد لا يحتمل الفراغ -اختبرنا خمسة أشهر منه سابقاً- وبالتالي الدخول في المجهول. ويجب عليها العمل بسرعة وإلا فإننا نكون قد دخلنا فعلياً في أزمة لا نعرف مداها، علماً أن الأوضاع الإقليميّة غير مطمئنة".

وفي موضوع اجراءات ​مصرف لبنان​ الأخيرة، رأى النائب فؤاد مخزومي أنه "أتى لاحتواء الأزمة، الأمر الذي يسمح نوعاً ما بالحفاظ على الأسعار تحت السيطرة"، مستدركاً بالقول "لا بدّ أن ننتهي من سياسات الترقيع والبدء فعلاً بتنفيذ الإصلاحات الإقتصادية المطلوبة لتحريك عجلة الاقتصاد وتوفير السيولة. ومن المهم أيضاً معرفة أن المشكلة ليست نقديّة بقدر ما هي عدم قدرة الدولة على القيام بالإجراءات الإصلاحيّة لاستعادة ثقة اللبنانيين أولاً وثقة المانحين في "سيدر".

وأكد مخزومي انه "سبق وقلت أن الأزمة الأساسية بدأت حين اعتمدت السياسة المالية بتثبيت سعر صرف الليرة حيث أصبحت السياسة النقدية غير عادلة. كما أن النموذج الذي اعتمده لبنان منذ العام 1993 حتى اليوم أصبح هشاً، ومن غير المقبول اللجوء مرة جديدة إلى تطبيق اتفاق التبادل SWAP لأنه سينعكس سلباً على الاقتصاد بسبب الزيادة المتراكمة للفوائد".