لا تتوقف معظم الكتل النيابية عن رفع لواء الإصلاح و​محاربة الفساد​، على قاعدة أن الإستمرار في النهج السابق في إدارة الدولة لا يمكن أن يستمر، لكن عملياً يوجه هؤلاء، أو على الأقل بعضهم، كل يوم ضربة جديدة لأبرز سلطة من المفترض أن تكون فاعلة على هذا الصعيد، أيّ السلطة القضائية، في مؤشّر على أنّ كل الشعارات التي يتمّ التداول بها لا تمت إلى الواقع بصلة.

في هذا السياق، كان من اللافت أن يبادر النائب اللواء ​جميل السيد​ إلى القول أنه لو كان هناك ربع دولة من المفترض أن يكون وزير الإعلام ​جمال الجراح​ في السجن، ليرد عليه الأخير بأنّ الأمر نفسه ينطبق عليه فيما كان هناك نصف ربع دولة، ليكون من حق المواطن السؤال عما إذا هناك فعلياً دولة طالما أنّ هناك نائباً ووزيراً ينفيان هذا الأمر؟.

في الإطار نفسه، يأتي موقف وزيري الإعلام جمال الجراح والإتصالات ​محمد شقير​، بعد أن طلب المدّعي العام المالي القاضي ​علي إبراهيم​ الإستماع إليهما، بالإضافة إلى الوزير السابق ​بطرس حرب​، حيث رفضا الحضور إلى مكتبه، في حين أن حرب أعلن أن دعوة إبراهيم شرّفته لتوضيح ما جرى ويجري في ​وزارة الإتصالات​ من مخالفات وفساد وصفقات.

حول هذا الموضوع، تؤكّد مصادر متابعة، عبر "النشرة"، أنّ ما يحصل لا يمكن أن يمر مرور الكرام، لا سيما أنّ من يرفض الذهاب إلى القضاء هما وزيرين في الحكومة الحالية، التي تعلن كل يوم أنها تسعى إلى القيام بإصلاحات، وتسأل: "هل يمكن تصديق كل هذا الشعارات في حين يمتنع الوزيرين عن الحضور إلى مكتب المدّعي العام المالي"؟، وتشير إلى أن هذا الأمر يتكرّر منذ سنوات، وتذكر بأن بعض الوزراء كانوا يمتنعون عن منح الاذن لملاحقة موظّفين تحت وصايتهم.

وترى هذه المصادر أنّ ما يحصل في هذا الملفّ هو من المؤشرات السلبيّة جداً، نظراً إلى أن الكثير من الموظفين سيظنّون أنهم باتوا خارج دائرة المحاسبة، في حين أن الوزراء من المفترض أن يكونوا قدوة على هذا الصعيد، عبر التأكيد أن أحداً لا يجب أن يكون فوق القضاء، وبالتالي ليس هناك ما يمنع الذهاب في التحقيقات حتى النهاية، خصوصاً إذا كان الهدف منها محاربة الفساد وحماية المال العام.

من وجهة نظر المصادر نفسها، يتحمّل رئيس الحكومة ​سعد الحريري​ مسؤولية معنوية على هذا الصعيد، نظراً إلى أن الجراح وشقير ينتميان إلى الفريق السياسي نفسه، وبالتالي يستطيع هو أن يضغط عليهما للإستجابة مع دعوة المدعي العام المالي، وتؤكّد أن ذلك سيكون بمثابة خطوة إيجابيّة تقدّر له، خصوصاً أنه في موقع لا يسمح له أن يغطّي مثل الأمر، لا سيّما أنه من الذين يطالبون المواطنين بالتضحية.

وفي حين أن طلب الإستماع إلى الوزراء الثلاثة يعود إلى المعلومات التي كانت لجنة الإعلام والاتصالات النيابيّة قد قدمتها، على مدى سنتين، إضافة إلى معطيات سبق أن قدّمها النائب ​ياسين جابر​، تكشف مصادر نيابية معنيّة، عبر "النشرة"، أن طلب تشكيل لجنة تحقيق نيابيّة في قطاع الخليوي لا يزال قائماً، وتشير إلى أنّ هذا الطلب يسلك طريقه القانوني اللازم، بالرغم من أن البعض لا يعلق الكثير من الأمال على هذه الخطوة.

وترفض هذه المصادر القول أن هناك إستهدافاً سياسياً من وراء ما يحصل، لا سيما أن بعض أوساط تيار "المستقبل" تعمل على التسويق في هذا الاطار، طالبة أن يتمّ إستدعاء كل وزراء الإتّصالات السابقين من العام 1992 حتى اليوم، وتشير إلى أن هذا الأمر هو من صلاحيّة القضاء أو لجنة التحقيق النيابيّة لاحقاً، في حال شُكلت، لكنها تشدّد على أن رفض أي وزير الإستجابة لإستدعاء أيّ جهة قضائية أمر لا يمكن القبول به، وتسأل: "ما الرسالة التي يوجهها هؤلاء إلى الرأي العام"؟.

في المحصّلة، هو ملفّ جديد يفتح على مصراعيه، بعد أن تم تعطيل التحقيق في الكثير من الملفّات السابقة للأسباب نفسها، الأمر الذي من المفترض أن يضع مجلس النواب أمام مسؤولياته في حال أصر بعض الوزراء على التأكيد أنهم فوق القانون، وهنا قد يكون من المفيد العودة إلى ما قاله حرب، حول أسباب تلبيته دعوة إبراهيم: "لإيماني بإستقلاليّة السلطة القضائية وإحتراماً مني للقانون".